ملاحظات زائر لاسطنبول

صورة من مضيق البوسفور
صورة من مضيق البوسفور
هناك مدن تملك شخصية فريدة تفرض عليك احترامها بل الكتابة عن حالتها،وهناك مدن شاحبة  تتمنى لو يأتي نيزك ليخلص الكوكب من بشاعتها،وهنا سأتحدث عن الصنف الأول،من خلال مدينة إسطنبول التي زرت قبل أيام.تلك المدينة الضخمة الضاربة في جذور العراقة والتاريخ .
إسطنبول بعيوني
DSC_5536
لم أزر كل إسطنبول لأن مدة إقامتي لم تزد عن أيام ستة وحتى ولو طالت للشهر فلن أستطيع أن أزور كل أماكنها، فالمدينة أضخم مما تتصور فهي خلاصة لحضارتين وتماس لقارتين،لكني استطعت خلال فترة إقامتى أن أجد الوقت لعيش بعض اللحظات الاسطنبولية،فقد حلقت مع التاريخ من خلال جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق،المسجد ذو الماَذن الستة والصحن الكبير الجذاب الواقع في ميدان السلطان أحمد،ذلك الميدان الرائع الزاخر بعبق الجمال والفن، حيث يضم التحفة المعمارية المسماة أيا صوفيا،التي بدأت عملية البناء فيها عام 532م بأوامر الإمبراطور جستنيان.  فكانت في الأول كاتدرائية قبل أن تحول إلى مسجد بعد دخول الإسلام إلى القسطينية عام 1453لكنها احتفظت بالرسومات الدالة على المسيحية،لتمر دورة الزمن وتحول إلى متحف في عهد أتاتورك سنة 1934، وتعبر اَية صوفيا بشكل جلي عن حالة التلاقح بين الحضارات التي مرت بمدينة اسطنبول.
وليس ببعيد عن عالم العمارة، خضت تجربة مضيق البوسفور،فقد عشت مع أصدقائي حالة رائعة من التوهج والانبساط وذلك أثناء رحلتنا في المضيق، فقد شاهدنا المدينة من زاوية أخرى أكثر جمالاً وديناميكية،وكانت عبارة عن عرض للأيقونات المعمارية العتيقة في المدينة- مثل القصور العثمانية القديمة-في ظل حالة من العوم والغوض في الجمال لم ينغصها سوى محاولة عائلة عربية فرض توجهها على الجميع و رفض بث أي نوع من الموسيقى أثناء الرحلة البحرية.
وأكثر ما أعجبنى في اسطنبول لم يكن العمارة ولا الطبيعية بل حالة الالتحام والحرية الموجودة في شارع الاستقلال وميدان تقسيم،فقد سررت بالأمواج البشرية المتدفقة في الميدان والشارع والزوار الجالسين على مطاعمه ومقاهيه، فهناك تحدث مناغات الجمال والانطلاق وكسر كل الحدود، فلا سقف للمشاعر والتعبير شفاف حد النزاهة وتصادف الفن بكل صوره الرائعة.وقد حضرت لعزف السماء لأنشودة المطر واحتضان الأرض لها بكل ود وحميمية عكس مايحدث في عاصمتنا الشاحبة التي تكره المطر.
حديث التكاسي.
من الصعوبة بمكان أن تجري حوار مفهوم مع سائقي التاكسي في مدينة اسطنبول رغم أنهم يحبون الكلام  والحديث تماما كالمثقفين في الفضائيات العربية،والسبب في صعوبة التواصل هو أن لغتهم واحدة وهو حال أغلب سكان المدينة،لكن رغم ذلك تحدث لحظات من الحديث لا أعرف بأي لغة تتم، لكنها تحدث،وأول سؤال يطرح عليك سائق التكسي بعد معرفته من أي بلد أتيت،هل أنت مسلم؟،وحسب ما استنتجت أن الدول العربية بالنسبة لهم مجرد أنماط، وهي مصر والجزائر والسعودية وأخواتها من دول الخليج  وسوريا وفلسطين ولا يعرفون طبعا شيء عن موريتانيا وبقية الدول،وأغرب ما صادفت في المدينة هو أحد السائقين، حيث سأل صديقي من السودان عن بلده وعندما أجابه،رد عليه قائلاً:”السودان هي داعش، فهي والسعودية وقطر يمولون داعش، وكل السودان إرهابيين”،وأردف قائلاً: أنت ليست لديك مشكلة لكن السودان إرهابية وظل مصرا على ذلك.
العرب باسطنبول
حالة الشغف بالمدينة والاستمتاع بها تتوقف بشكل مربك حين تصادف بعض الحالات العربية الموجودة بها،فحين تتجول بالميادين وتنظر خلفك أو بجانبك ستجد أحد المواطنين السوريين وهو يمد لك يده طالبا صدقة أو مساعدة بعد أن بطشت بهم يد الطغيان وأجبرتهم على الهجرة بحثا عن ملجئ،حيث تخرج من أي لحظة استمتاع لترجع بسرعة البرق إلى الواقع العربي المخزي،وحين تتجول بشارع الاستقلال ستخرج في الحال من حالة النشوة حين يأتيك أحد المنسقين الإجتماعيين ويعرض عليك بلغة عربية مكسرة”البنات والسهر” ظنا منه بأنك من مواطني إحدى الدول الخليجية الذين تركوا فيما يبدو صورة نمطية سيئة عنهم، وتكون الصدمة أكبر حين تجد أن من بين أولائك المنسقين عربا فضلوا تجارة الجسد ببلاد الغربة.
لكن هناك مايدخل السرور، مثل اكتشاف أن هناك من يتحدث العربية بعد أن ضاقت بك السبل ومللت من سماع كلام غير مفهوم أو أن تصادف محلاً محترما يشرف عليه عربي.فهناك نشاط تجاري عربي ملحوظ في المدينة خاصة من طرف المواطنين السوريين.ويوجد أيضا حضورللقضية الفلسطينية، فقد لاحظت الكتابات الحائطية الداعمة لغزة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *