أرشيفات التصنيف: احتجاجات

الأمن الموريتاني..قمع الطلبة أولًا!

تجمع احتجاجي للطلاب
تجمع احتجاجي للطلاب

الموضوع منشور على موقع ألترا صوت 

لكل نظام أمني أولوياته التي تبرز طبيعته ونمط تفكير واضعي سياساته وموجهي عناصره، وطبعًا للنظام الموريتاني أولوياته التي لا تختلف كثيرًا عن نظرائه في الدول العربية، فيا ترى ما هي تلك الأولويات التي توجه بوصلة النظام الأمني الموريتاني؟

مشهد أول

قبل أيام، بدأ طلاب جامعة العلوم والتكنولوجيا والطب وكلية الآداب والعلوم الإنسانية، احتجاجات مطالبين بتوفير نقل جامعي محترم، حيث يعاني الطلاب من كون جامعتهم تقع خارج العاصمة بعدة كيلومترات، في منطقة نائية وصحراء مقفرة، والجهة الوصية لم توفر لهم سوى عشرين باصًا مهترئًا وحسب الطلاب، يتعطل كل يوم ستة منها أو سبعة، ولا تكفي لإيصالهم أصلًا، حيث يتكدسون فيها، وهو ما جعل عملية وصولهم للجامعة معركة سيزيفية مؤلمة. طالب الطلاب كذلك بتحسين خدمات المطعم الجامعي، فهم يعتبرون أن خدماته الحالية مهينة للكرامة الإنسانية، وقد نشروا صورًا لطوابيرهم أثناء أوقات الغداء، وهو ما جعل الشبكة العنكبوتية تنتفض، حيث عبر روادها الموريتانيون عن أن تلك المظاهر تبعث على الحنق وتعتبر مذلة لطلبة العلم وللإنسان الموريتاني بشكل عام، وكان احتجاج الطلاب سلميًا وحضاريًا، كل ما سبق من مبررات للاحتجاج لم تقنع النظام الموريتاني، الذي قام بتوجيه قوات الأمن لقمع الطلاب والتنكيل بهم، وإمطارهم بمسيلات الدموع وتوقيفهم واخفائهم في مفوضيات الشرطة.
مشهد ثانٍ
تعيش العاصمة الموريتانية نواكشوط منذ فترة في حالة حادة من ارتفاع معدلات الجريمة في بعض أحيائها، وهو ما جعل بعض المواطنين يخرجون مطالبين بتوفير الأمن لهم والوقوف في وجه الجريمة المنظمة التي تنغص حياتهم، وقد تصاعدت في الأيام الماضية وتيرة الغضب الشعبي من فقدان الأمن، خاصة حين حدثت جريمة قتل لتاجرة موريتانية في السوق المركزي بنواكشوط، وتمت الجريمة في وضح النهار، وحين تم استجواب وزير الداخلية الموريتاني من طرف نواب في البرلمان حول استفحال الجريمة وتدهور الوضع الأمني، رد بأن سبب الانهيار الأمني هو فوضوية المواطن الموريتاني!، ونظر لضرورة توفير المواطن الأمن لنفسه في تهرب واضح وفاضح من مسئولياته، فلا مكان للخجل وحمرته على وجوه المسؤولين الموريتانيين، ويذكر أن النظام الموريتاني دأب على ترويج نفسه أنه صاحب مقاربة أمنية ناجحة لمحاربة الإرهاب الخارجي، لكنه يفشل اليوم بشكل بائن في الأمن الداخلي.

المواطن هو المذنب هو الخطر ومن يستحق التوقيف والكبح، راحته خطر على استقرار الدولة، طموحه وتوقه لخدمات محترمة تهدد الأمن القومي، أما المجرمون فيستحقون اللطف والدعم فهم جزء من المنظومة الأمنية بل من النظام الحاكم، تلك هي نظرة وعقيدة من يسيِّرون البلد، فالأجهزة الأمنية لم يتم تأسيسها لحماية المواطنين من الجريمة المنظمة ولا لبث السكينة بينهم، بل لقمعهم حين يحتجون حتى يرضخوا ويسكتوا على الظلم، وبث النعرات بينهم، هي سوط على رقابهم وتلك هي أولويتها الأولى والأخيرة.

حمى الوادي المتصدع: لاجديد فالعصابة تستمتع!!

12118654_508573035972005_4988816730623424074_n
أعلنت وزارة الصحة الموريتانية في بيان أصدرته” يوم الأحد 15 أكتوبر 2019″، أنه حدثت حالة وفاة واحدة بسبب حمى الوادي المتصدع وأن الوضع تحت السيطرة، وأن كل من يتحدث عن تفشي الحمى النزيفية في الدولة مجرد مغرض ويريد تسيس الحمى، وأكد وزير الصحة بعد ذلك أنه حدثت أربعة حالات وفاة بسبب حمى الوادي المتصدع. يذكر أن بيان الوزارة وتصريح الوزير حدث بعد صخب وضعط حصل على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث ندد المدونون والنشطاء بتعامل الحكومة الفاتر مع معاناة المواطنين ومحاولتها حجب المعلومات وتضليل المواطنين وعدم اكتراثها بصحتهم، حيث لم تقم بحملات توعية ولم تستنفر طواقم من أجل مساعدة المواطنين، استطاع المدونين احراج الحكومة، عبر هاشتغ #بلد_ينزف، وقد نظموا وقفات أمام وزارة الصحة أعتقل على اثرها 12 ناشطا ولا يزال منهم خمسة منهم رهن التوقيف، وثلاثة غير معلومي المكان وتم قمع من تضامن معهم.
تجد الإشارة إلي أن المستشفيات تعاني منذ أشهر اكتظاظا شديدا بالمرضى المصابين بحمى الضنك وقد تحدث أطباء عن تفشي حمى الضنك وظهور حالات من حمى القرم الكنغولية وحمى الوادي المتصدع. وقد ظهرت رسالة مسربة أرسلتها وزارة إلي الصحة منظمة الصحة العالمية، جاء فيها أنه حدث ثمانية حالات وفاة بسبب حمى الضنك وأن تلك الحمى وجدت في ثلاثة عشر مقاطعة، وهو ما يناقض تصريحات الوزير وبيان وزارة الصحة ويدعم كلام النشطاء.
مهلا، سمعتك أيها المستغرب، أنا لم أخطئ في كتابة التاريخ وكان عن قصد فالخبر سيتكرر سنة 2019 وبنفس التفاصيل… الاهمال سيظل سيد الموقف ما دامت العصابة تتحكم في دولتنا، وتعتمد على ضعف ذاكرتنا وموسمية تذكرنا وسكوت بعضنا ورضوخه، فصمتنا هو سر قوتها، مثلا، هل جد جديد في قضية الصرف الصحي والمستنقعات المسبب الأول لتفشي البعوض المسبب لحمى الضنك وغيرها من الحميات؟، لا لم يحدث شيء، فمدينتنا لا زالت تكره المطر والمستنقعات تستوطن عاصمتنا المكلومة، وهل طرأ تطور في قضية انقطاع الكهرباء التي تقول العصابة أننا أصبحنا مصدرين لها؟.
هل حدث تحسن في معاناة المواطنين العطش؟، وهل حدث تطور ولو طفيف في ترسيخ دولة القانون؟.
عذرا، لقد جد جديد ومن اللازم ذكره وهو تحول العصابة من سياسية احتقار المواطنين داخليا ونهب الوطن وبيعه بالقطعة والجملة إلي بيع جنودنا للقتال من أجل عيون عائلة آل سعود ولدعم جرائمها في اليمن. هذه العصابة لا تتواني عن أي خسيسة وكل يوم تخرج لها فضيحة وقد فاحت رائحتها حتى وصلت شرطة الأسواق المالية ووزارة العدل الأميركيتين، حيث قال تحقيق نشرته صحيفة لموند الفرنسية، متعلق بفساد شركة كينروس تازيازت التي تستخرج الذهب الموريتاني، أن هناك مقربين من الجنرال ولد عبد العزيز متورطين في فساد الشركة وسيطالهم تحقيق شرطة الأسواق المالية، بل قال التحقيق:” أن لائحة هيئة الأوراق المالية ترسم خريطة السلطة في موريتانيا، نظرا لأن هذه الشخصيات تشكل عمق بطانة الرئيس”.

العصابة ليس في نيتها أي اصلاح وديدنها هو النهب وبدون التحرك بجدية من أجل تنظيف وطننا منها، سنقرأ خبر” تعديل الدستور” وبقاء الجنرال ليواصل نهبه للوطن واحتقاره للمواطن، وستكرر المآسي تباعا.

الزويرات: معركة العمال من أجل الكرامة

جانب من اعتصام العمال
جانب من اعتصام العمال

تصيبني رتابة المشهد السياسي المحلى وضحالة الطرح صاحب الصوت الأعلى فيه بحالة من عدم اللامبالاة المؤقتة،فلا أكترث كثيرًا به ولا بشخوصه ولا بأحداثه المجترة،فلا جديد فيه يستحق التفاعل أو المشاركة بشغف فلم يعد للمصطلحات ولا المواقف أي قيمة لكثرة لعكها من قبل الانتهازيين الذين يتبارون في تشويه أي جميل،فقد دأبوا على تمييع الأشياء،فلم يعد للحوار ولا للمواثيق قيمة لكثرة نقضها، وهناك نجاحات في مسيرة المحاولات الحثيثة لتحويل مفهوم النضال إلى مجرد وسيلة قذرة لتحقيق مصلحة ذاتية جدًا على حساب طموحات وحقوق الشعب والكادحين.لكن،حالة اللامبالاة التي ذكرت سالفا وأكدت أنها مؤقتة تغادرني حين أجد مشهدًا يستحق التفاعل بل الانغماس فيه وخدمته،ومن اَخر النسمات الجميلة التي دخلت مسام عقلي، قضية إضراب عمال سنيم في مدينة الزويرات شمال موريتانيا.
لنتحدث إذن عن تلك الملحمة الحقيقية

من إعتصام العمال
من إعتصام العمال

بدأت ملحمة عمال الزويرات في 30 جانفي 2015،وذلك بعد أن سئموا من وعود مدير الشركة الوطنية للصناعة والمناجم(سنيم) وبعد أن اتضح لهم أنه قرر أن ينكث بكل تعهدات الشركة،وكانت الشركة قد وقعت مع العمال تعهدًا يقضي بزيادة رواتبهم ومن المفترض حسب الاتفاق أن يبدأ التنفيذ في أكتوبر 2014 لكن الشركة لم تفى به،وهو ما جعل العمال يدخلون في إضراب مفتوح و ينزعون نحو التصعيد،وقد نجح العمال في خلق حالة من التضامن مع قضيتهم رغم التعامي الإعلامي الواضح الفاضح ومحاولات الشركة أن تعطى صورة مغلوطة عن الإضراب عبر شراء وسائل الإعلام المحلية.
نجح مناديب العمال أصحاب فكرة الإضراب في إقناع أغلب رفاقهم بضرورة الانخراط في الإضراب وقد وصل عدد المشاركين فيه إلى 3886 عمالاً من عمال الشركة من أصل 4500 عاملاً(الرقم هو عدد عمال الشركة في مدينة الزويرات وليس العدد الإجمالي لعمالها)،تم ذلك رغم كل الضغوط السياسية والقبلية،وكذلك رغم قيام الشركة بتهديد كل العمال العقوديين في الشركة بالفصل حال استمرارهم في الإضراب،إلا أن ذلك لم يزد العمال سوى إصرارًا على مواصلة الضغط،وقد أدت تلك الخطوة إلى مسيرة تضامن حاشدة من قبل العمال والمجتمع المحلى وماتزال إلى اليوم مدينة الزويرت مكانا للمسيرات الحاشدة المتضامنة مع العمال،في المقابل،قام عمال شركة سنيم في مدينة نواذيبو بوضع إخطار يقضي بتوقيفين عن العمل يومي 25 و26 فبراير، والدخول في إضراب مفتوح حال عدم الاستجابة لمطالبهم،ومن بين مطالبهم:
ـ زيادة الأجور وفقا لاتفاقية الزويرات في 3 مايو 2014.
ـ إدخال علاوات الإنتاج منذ بداية السنة.
ـ دفع راتب شهرين للمتقاعدين تعويضا عن تأخر الزيادة المقررة في مايو 2014.
يحدث هذا في ظل تجاهل من قبل الشركة الوطنية للصناعة والمناجم فلم تكلف خاطرها في دخول حوار مع العمال أو تطيب خواطرهم ولو بشطر وعد جديد وتصر على أنهم مجرد عمال متسيسون وأن عمل الشركة لم يتأثر،وتفضل رشوة بعض المواقع الألكترونية للتعتيم على الإضراب وتشويه المضربين،والقول أن الإضراب غير قانوني،لأن الموقعين عليه ستة مناديب من أصل أربعة عشر ورغم أن عدد المناديب الموقعين حاليا على الإضراب هم ثمانية ويرفضه ستة فقط،وفي حديث جرى بيني وبين محمد ولد أحمد زروق أحد العمال المضربين،قال لي أن العمال يريدون فقط أن يتم الالتفات لمطالبهم وما يغضبهم هو حالة التجاهل المتعمدة من قبل الشركة.
المفارقة في القضية هي أن شركة سنيم قدمت قبل فترة ليست بالطويلة قرضا بقيمة بلغ 15 مليار أوقية لشركة النجاح الخاصة التي تشرف على بناء مطار نواكشوط الدولى وذلك بعد تعثر الأخيرة في التزاماتها نحو الدولة الموريتانية،وهو ما يجعلني أطرح التساؤل التالي أيهما أولى بالرحمة شركة رأسمالية تفشل في تعهداتها للدولة أم عمال بسطاء يكدحون من أجل لقمة عيشهم؟

خلاصة

قضية عمال سنيم ومثلها من النضالات العمالية هي الواقع الملموس وطريق التغيير والتعبير الصادق عن واقع الشعب أما بقية الأحاديث التي تجري في الصالونات والمكاتب المكيفة فلا تعدو كونها جلسات بين مترفين لتقاسم الأدوار في النصب على الشعب،فدعم نضالات العمال أولى،فالعمال هم أكثر فئات طبقة الكادحين بل الشعب قدرة على لعب دور مؤثر في عملية التحرر من الظلم والإقطاع والفساد وتحكم العصابات في شؤون الدول،لذلك نضالهم صادق وحقيقي فهم مرتبطون بعقد أزلى مع عملية الانتاج التي تقوم عليها الدول واقتصادياتها وهم أصدق تعبير عن واقع الأسرة واحتياجاتها،ولا ينتفضون إلا حين يفيض بهم الكيل وحين ينتفضون فيعني ذلك أن الوضع لم يعد يطاق وأن ساعة التغيير قد اقتربت،المجد للعمال.

حمى الضنك: عنوان اَخر للفشل

1725391_758619047539149_5784116668163910911_n

تحول الكثير من سكان المقاطعة الأولى في نواكشوط”تيارت” وما يجاورها من مقاطعات إلى مجموعة من”الزومبي“، بوجوه شاحبة خالية من الروح كأنها خارجة  للتو من القبور والسبب هو حمى الضنك التي تفشت في الشهور الثلاثة الأخيرة من دون أي تحرك من وزارة الصحة ولا أي جهة  من جهات الدولة.

إذ لم تخرج الوزارة المعنية ببيان يشرح طبيعة المرض ولا طرق الوقاية منه ولا تحاشيه ولم تقم بحملة توعية حوله ولم تعلن أي خطة استعجالية اغاثية للمواطنين المراجعين للمستشفيات والذين وجدوا صعوبات في مراجعتها بسبب قلة الأطباء والأسرة والأدوية، والأنكى من ذلك أن الأطباء والوزارة لم يتعرفوا على المرض إلا بعد أشهر وحتى تصاعدت وتيرة الإصابة بهذه الحمى، حيث أرسلوا عينات من دم المرضى إلى العاصمة السنغالية داكار ووصلت النتيجة بشكل متأخر جداً وكان عدد المصابين يقدر بالآلاف وبالتأكيد  ارتفع لأن هذه الحمى مازالت تنتشر ولا تصل لأسرة إلا وأصابت كل أفرادها. تسبب عدم معرفة الأطباء لطبيعة الحمى في تفاقم وضع عدة حالات بسبب العلاج الخاطئ من طرفهم، فقد تحول المرضى إلى مجرد فئران تجارب، وقد تسببت هذه الحمى لحد الاَن في وفاة أربعة مواطنين ثلاثة منهم في مستشفى تيارت وواحدة في المستشفى الوطني.

أمام هذه الوضعية خرجت  يوم الخميس 13 نوفمبر مع بعض رفاقي في حركة 25 فبرايرونشطاء اَخرين للتضامن مع سكان مقاطعة تيارت والتنديد بسكوت وزارة الصحة وعدم اتخاذها أي تدابير لمواجهة هذه الحمى التي أعطاها السكان اسم “حمى تيارت”،حيث رفعنا أمام مستشفى تيارت مع بعض سكان المقاطعة شعارات تطالب بتحسين القطاع الصحي واعلام الناس بحقيقة هذه الحمى ووضع اجراءات استعجاليه واضحة لمكافحتها والتوقف عن سياسة التعتيم وبعد انتهاء الوقفة مباشرة،حدث ما كان متوقعا وجاء الأمن بأمر من حاكم المقاطعة واعتقل مجموعة من النشطاء لبعض الوقت ليطلق سراحهم لاحقا،المهم،انتهت الوقفة، لتبدأ قصة أخرى وهي تحولي إلى زومبي بعد اصابتي في نفس اليوم بتلك الحمى التي تقول منظمة الصحة العالمية أن سببها:

حمى الضنك هي عدوى فيروسية تنتقل إلى الإنسان عن طريق لدغة بعوضة أنثى من جنس الزاعجة مصابة بالعدوى. ويتفرّع فيروس حمى الضنك إلى أربعة أنماط مصلية (DEN 1 وDEN 2 وDEN 3 و DEN 4). وتظهر أعراض المرض خلال فترة تتراوح بين 3 أيام و14 يوماً (من 4 إلى 7 أيام في المتوسط) عقب اللدغة المُعدية.

وتقول عن طبيعتها وأنواعها:
الضنك مرض وخيم يشبه الإنفلونزا ويصيب الرضّع وصغار الأطفال والبالغين، ولكنّه قلّما يؤدي إلى الوفاة.
وتختلف السمات السريرية لحمى الضنك وفق عمر المريض. فقد يُصاب الرضّع وصغار الأطفال بالحمى والطفح. أمّا الأطفال الأكبر سنّاً والبالغين فقد يُصابون بحمى خفيفة أو بالمرض الموهن المألوف الذي يظهر بشكل مفاجئ ويتسبّب في حمى شديدة وصداع حاد وألم وراء العينين وألم في العضل والمفاصل وطفح.
أمّا حمى الضنك النزيفية فهي مضاعفة قد تؤدي إلى الوفاة ومن خصائصها الحمى الشديدة، مع تضخّم الكبد في كثير من الأحيان، وقصور دوراني في الحالات الوخيمة. ويبدأ المرض، في غالب الأحيان، بارتفاع مفاجئ في حرارة الجسم مصحوب ببيغ وجهي وغير ذلك من الأعراض المشابهة لأعراض الإنفلونزا. وتستمر الحمى، عادة، يومين إلى سبعة أيام ويمكنها بلوغ 41 درجة سلسيوز، مع احتمال ظهور حالات اختلاج ومضاعفات أخرى.

لا تسبب حمى الضنك تلك الأعراض فقط بل تصل بالانسان إلى مرحلة فقدان الشهية للحياة وتحوله إلى كائن خائر القوى. وقد كشفت حمى الضنك زيف ادعاء النظام بتحسن القطاع الصحي في موريتانيا، فدولة تترك مواطنيها لحمى تنهشهم من دون أي تحرك لا يمكن أن توصف بأن فيها قطاع صحي أصلاً،ودولة لا تملك لحد الاَن مختبرات تمكن الأطباء من تحديد نوعية حمى منتشرة عالميا وتلجأ إلى جارتها السنغال التي هي في النهاية مجرد دولة من دول العالم الثالث لا يمكن إلا أن يقال أن وضع الصحة فيها بائس،وأكدت أيضا تجربة هذه الحمى أن النظام مازال يصر على سياسة التعتيم على فشله ولو كان الثمن هو حياة المواطنين وأن أي شخص يحاول كشف ذلك الفشل سيتعرض للملاحقة والمضايقة.وأكدت لي أيضا هذه الحمى عدم ثقة المواطنين بالنظام فأثناء وقفتنا تحدثت مع بعض المواطنين عن ضرورة الاحتجاج على الوضع فكان رد أغلبهم بأنه لا فائدة  من ذلك فمن يحكم يعلم الوضع ولكنه لا يهتم لحياتنا المهم فقط عنده هو جمع المال.

لكن كما يقال من يهن يسهل الهوان عليه وبسكوتنا سنتحول كلنا إلى مجموعة من”الزومبي”،فمتى ننتفض ونضع حدا لهذا الوضع المهين؟ بل متى نقرر الحياة بشكل طبيعي ونخرج من حالة المواطن الزومبي؟

حوار مع “مثقف”!

سارتر وفوكو في مظاهرة وحالة نضالية رائعة
سارتر وفوكو في مظاهرة وحالة نضالية رائعة

قابلت قبل أيام أحد الوجوه المعروفة في المشهد “الثقافي “الموريتاني و بدأ بتحليل تجربتنا في 25 فبراير، حيث قال لي :

“كان سبب فشل حراككم وانتفاضتكم هو أنه لم تسبقه تراكمات مثل ما حدث في مصر… فالثورة المصرية كانت نتاج لعمل تم على سنين وتمخض عن انتفاضة شعبية ،وكانت نتيجة لتضافر جهود الشباب والنخبة المثقفة وأصحاب التجارب الكبيرة” ،وحدثني عن حركة كفاية وتجربة 6 إبريل، و تلاقح الأفكار بين كل التيارات، و تبادل الخبرات بين الأجيال “. متابعة قراءة حوار مع “مثقف”!

الوطن يسعنا

270488_10150311891000071_4859963_n

عندما بدأت بعض الأصوات الزنجية الموريتانية تتعالى وتنتقد الإحصاء السكاني وتطالب بالخروج ضده وبإسقاطه وتتهمه بالعنصرية والإقصاء.قررت الاستماع لشكاويهم والتعرف على أسباب امتعاضهم،حينها انزعجت مثلهم واعتبرت أن الإحصاء يهدد السلم الاهلى، وفيه أسئلة توجه إلى الزنوج أقل مايقال أنها عنصرية و إقصائية.

استفسارات تشعر الاَخر بالدونية والنقص والاتهام المسبق في موريتانيته،وذلك ماتحدث عنه لوكورمو،وهو أحد أهم أساتذة القانون الدستوري في موريتانيا والمعرف بخدمته للطلاب الموريتانيين بمختلف أعراقهم،حيث تكلم البروفسورعن استجوابه بطريقة مذلة وطرح السؤال التالي عليه:

مادمت محاميا فهل تعرف المحامي ولد عبد القادر بعمارة ولد المامي؟، تحدثت كذلك النائب في البرلمان كادياتا جاللو عن قصص أخرى مثل :

شخص ولد في مدينة بوكي فسألوه هل تعرف با سيلي أو زوجته .؟

حينها قلت لو وضعت نفسي مكان أحد هؤلاء المواطنين وتخيلت أني أسأل عن وزير موريتاني فاسد ومرتشي،أو عن نائب في البرلمان  دخل عن طريق انتخابات مزورة هزلية، فلن أجاوب حتى لو كنت أعرفه فإني أرفض أن تكون هذه طريقة إثبات أنني موريتانيا…

كل هذا جعلني أخرج في يوم 30يوليو،2011 في أول تظاهرت لحركة( لاتلمس جنسيتى )،التي تكونت ضد الإحصاء السكاني،حيث رأيت أنا ومجموعة من نشطاء حركة 25 فبراير أنه من الواجب علينا الوقوف ضد الظلم،كذلك أن نسعى الى أن  لا يأخذ ذلك الاحتجاج طابعا عرقيا وفئويا،وأن نحاول خلق رأي عام ضد كل تمييز يمارس بحق أي مواطن أو عرقية.

خروجنا هذا لم يرق طبعا للكثيرين من العنصريين العرب والزنوج،فالعرب اتهمونا بالعاملة  للخارج والخيانة وأن معارضتنا لنظام الجنرال عزيز جعلتنا نخون شريحتنا ووطننا،والزنوج لم يفهموا أن هناك بشر لايعترفون بالطائفية ويطالبون بدولة المواطنة،التي لاتفرق بين المواطنين،ولم يرق لهم أن يكون هناك من يطالب بسقوط النزعات العنصرية التي يروجون لها،وفعلا تعرض بعض النشطاء لاعتداءات أثناء الاحتجاجات،المهم واصلنا الخروج مع حركة (لاتلمس  جنسيتي) رغم قلتنا إلى أن تغيرت الطريقة المتبعة في الإحصاء،وتوقفت الأسئلة المستفزة، وكنا طلية تلك الاحتجاجات الصوت العربي الذي ينقل أخبارها ويشرح أغراضها ويحاول أن يكافح الخطاب العنصري،الذي دأب النظام والعنصريين ترويجه بين المواطنيين،واليوم وبعد أكثر من سنة ونصف على انطلاق تلك الاحتجاجات توطدت علاقة النشطاء في الحركتين وأصبحت النقاشات تتعمق ممانتج عنه:

-أن حركة لاتلمس جنسيتي بدأت تتحدث عن مواضيع أكثر وتطرح طرحا أشمل.ولم تعد تتحدث عن الإحصاء فقط ،كذلك وبسبب نقاشات نشطائها مع شباب 25 فبراير فهمت أنها لايجب أن تظل تخاطب نفسها وشريحتها،وبدأت باستخدام العربية بشكل أكبر في انشطتها من أجل إسماع صوتها إلى العرب وشرح وجهة نظرها لهم،وعدم تركهم لتضليل وسائل الإعلام العنصرية.

اقتنعت كذلك أن أي حراك فئوي لن يحقق نتيجة وخرجت مع شباب 25 فبراير في الذكرى الثانية لانتفاضة فبراير للمطالبة بالدولة المدنية،وتشاركت معه في بيانات ومواقف عدة.

-أما بالنسبة لنشطاء حركة 25 فبراير فقد تغير من كان منهم لديه أفكار نمطية عن مطالب الزنوج وأصبح يفرق بين العنصري والمطالب بالحق .

بعد تجربتي ورفاقي مع احتجاجات لاتلمس جنسيتي تأكدت أنه هناك جدار صلب مبني بين مكونات الشعب الموريتاني،وتغذية مستمرة للعنصرية من قبل المتطرفين العرب والزنوج ،يستغلون فيها عدم وجود احتكاك فعلي بين العرقين ويبثون خطابهم المسموم  الهادف إلى مزيد من التنافر، وأنه علينا كطلائع ثورية تطالب بدولة المواطنة أن نحاول كسر هذا الجدار الوهمي بالتفاعل والتشبيك مع بعضنا،وخلق حالة من اللحمة الوطنية وجبهة تكافح العنصرية،فالتغيير لا يمكن أن يصنعه فصيل ولا عرق واحد فهو عمل جماعي، فموريتانيا أجمل بتنوعها .

النفايات مأزق موريتاني اَخر!

صورة من مكب النفايات الذي يحتج عليه السكان في قرية تيفريت
صورة من مكب النفايات الذي يحتج عليه السكان في قرية تيفريت
إن الحديث عن الأوساخ والنفايات في العاصمة نواكشوط ،حديث ذو شجون،فبينهما قصة أسطورية تفرض نفسها على عيون وأنفاس  و كل حواس  سكان المدينة.
واليوم تكتب أحدث سطور تلك القصة،وتتجاوز حروفها  سكان العاصمة  للقرى المجاورة لها،ففي يوم الأربعاء/30/يوليو خرج سكان تجمع تيفريت القروي، الواقع 25 كلم شرق نواكشوط على طريق الأمل،وذلك من أجل الاحتجاج على قيام المجوعة الحضرية بتفريغ  نفايات العاصمة  بالقرب من قريتهم الوادعة،مما تسبب في أضرار بيئية لقريتهم و بالتالي إزعاجهم ،وقد رفع المتظاهرون لافتات تطالب بالتوقف عن رمي القمامة والنفايات بالقرب من قريتهم، مؤكدين إنها تتسبب في أضرار صحية وبيئية ذات انعكاسات سلبية عليهم. وكان جزائهم هو المقع والتنكيل،حيث قامت قوات الدرك  الموريتاني باعتقال 14 شابا من سكان القرية.
قصة القرية والنفايات أعادت الأذهان إلى  قرار الحكومة الموريتانيى الغاء التعاقد مع شركة شركة PIZZORNO الفرنسية وقيام المجموعة الحضرية بعمل الأخيرة،مما نتج عنه بطالة أكثر من ألف مواطن موريتاني كانت الشركة الفرنسية تتعاقد معهم،في مقابل اعتماد المجموعة الحضرية في مشروعها الجديد على العمال بالأجرة اليومية الذين لا حقوق قانونية لهم،وكانت شركة PIZZORNO قد دخلت في تجاذبات سابقة مع الحكومة الموريتانية بعد تعنت الأخيرة في دفع مستحاقات الشركة،وقد بدأت الشركة المذكورة  تسيير النفايات المنزلية الصلبة وما شابهها في مدينة نواكشوط بعد توقيعها اتفاقية مع الحكومة الموريتانية وذلك في شهر مارس من سنة 2007 ولمدة عشرة سنوات قابلة للتجديد ،وبلغت تكلفة هذا الاتفاق 1.12 مليار أوقية.
بعد فسخ العقد بدأت أزمة الأوساخ في العاصمة نواكشوط تظهر وتطفو أكثر على السطح وتثير استياء المواطنين،ففرق التنظيف التي تعمل لصالح المجموعة الحضرية تفتقر لأبسط الخبرات في تجميع النفايات وتأمينها بشكل صحي لا يضر المواطنين وحتى أن عددهم غير كافي لتغطية نواكشوط،،وقضة قرية تيفريت ليست سوى تجلي من تجليات عدم احترافية عناصر المجموعة الحضرية،حيث يقومون برمي النفايات السامة بشكل عشوائي في مكب في الهواء الطلق قرب القرية من دون اتباع أي من أجراءت السلامة،وكانت  الشركة الفرنسية قد أغلقت معملاً لمعالجة النفايات يقع بقرب القرية كانت تستخدمه للحد من خطورة تجميع كميات كبيرة منها،ومن خلال مشاهداتي البسيطة في العاصمة،لاحظت أن شحانات المجموعة الحضرية مفتوحة وغير مؤمنة و تتساقط منها النفايات على الطرقات في مشهد عبثي يبعث على الغثيان والاشمئزاز ذكرني بطريقة تجمع أطفال العربات للنفايات.ومن أخطر مظاهر التسيب الملاحظ في قضية التعامل مع النفايات هي قصة رمي نفايات مستشفى الانكلوجيا في الشارع  الموازي له و طريقة التعامل البدائي معها من قبل عناصر المجموعة الحضرية وهو مايظهر استهتاراً بأرواح المواطنين.
هنا لا أدافع عن الشركة الفرنسية فهي أيضا لها سلبيات ولم تكن تغطي كل العاصمة-مثلا لم أجدها يوما في الحي الذي أسكن- ولم تقضى على أزمة الأوساخ رغم الفترة التي قضت في الاشراف على العملية،لكنها لا تقارن بارتجالية المجموعة الحضرية واستهتارها بأرواح المواطنين الذين يتعرضون اليوم لاجتاح مقلق للنفايات.

 

الديمقراطية الموريتانية في مأزق جديد

10441268_646089355475868_6531200626538867013_n
مسيرة المعارضة المقاطعة للانتخابات4 يونيو،نشرتها صفحة شباب التكتل

شهدت موريتانيا  في يونيو 21 انتخابات رئاسية  مثيرة للجدل ومرفوضة من قبل الطيف المعارض. النتائج أظهرت بأن الجنرال الحاكم محمد ولد عبد العزيز حصل على 81% من الأصوات و أن صاحب المرتبة الثاني، بيرام ولد الداه ولد أعبيدي،  لم يتجاوز رصيده 8%، وتتضارب القصص حول حقيقة نسبة المشاركة. المعارضة  أكدت حصول تزوير بشكل شنيع لصالح عبد العزيز مشيرة الى ان نسبة المشاركة لا يمكن أن تتجاوز 35%، علماً ان الاقبال كان ضعيفاً و المشهد الانتخابي كان خالياً من أي مظاهر للطوابير الطويلة،  وهذا الامر يعد سابقة تاريخية. كما انها ادّعت بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن موريتاني يحق لهم التصويت لم يسجلوا أصلاً على اللوائح الانتخابية، وتحدثت عن عودة مخجلة للتزوير البدائي مثل ملئ الأصوات وتصويت الأفراد من دون هوية وايضاً اقتراع مواطنين بأسماء اَخرين لم يحضروا لمكاتب الإقتراع. أما النظام،  فادعى بأن الانتخابات كانت شرعية، وأكد بأن المواطنين حضروا  بكثافة، مضيفاً بأن نسبة المشاركة بلغت 56%. لكن وسائل إعلام  دحضت تلك النسبة بسرعة، و بحسب بعض التقارير، فان اللجنة المستقلة للانتخابات أعلنت قبل الاستحقاق الانتخابي بأن عدد المسجلين بلغ 1,415,138، لتظهر النتائج المعلنة  بعـد يوم التصويت  أن عدد المسجلين  بلغ 1,328,138، مما يوضح  أن أكثر من 86 ألف ناخب شُطبت أسماؤهم لأسباب مجهولة  ومريبة. هذا الامر طرح أسئلة عديدة حول شرعية الانتخابات التي أثارت العديد من الشكوك في أوساط المعارضة منذ البداية.

نظام عبد العزيز أصرّ على تنظيم انتخابات أحادية من دون أن يقدم أي تنازلات للمعارضة أو أي ضمانات للشفافية، وظل يتهمها بالعمالة والفساد. وبعد ان تبيّن بأن النظام الحالي مصرٌ على المحافظة على نهجه التسلّطي، أعلن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة – الذي يضم احزاب معارضة – مقاطعته للانتخابات وأطلق حملة دعى فيها المواطنين للتعبير عن رفضهم لما أسماه “المهزلة الانتخابية”. حملة المقاطعة كانت مؤثرة:  أجواء الحملات الانتخابية كانت باهتة جداً وكانت نسبة حضور مهرجانات المرشحين ضعيفة جداً، وبحسب بعض التقارير لم يسلم من ذلك عبد العزيز الذي صدم من قلة الحضور في مهرجانه الذي اقيم في العاصمة نواكشوط.

الانتخابات الاخيرة  كانت عبارة عن نكسة جديدة  لموريتانيا. كان هناك آمال بالتغيير في 2005 بعد الاطاحة بالطاغية معاوية ولد سيدي أحمد الطائع والتي مهدت الطريق لانتخاب سيدي ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني، لكن في عام 2008 قام عبد العزيز و بعض العسكريين  بتنظيم انقلاب على النظام الحاكم انذاك، و الوضع لا يزال يتدهور منذ تلك النكسة. فمثلاً، بعد انقلاب 2008  أُستخدمت موارد الدولة وسطوة الجيش بشكل واضح من أجل ضمان وصول عبد العزيز الى سدة الرئاسة،

و قامت غالبية المعارضة  بمقاطعة الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني 2013  بعد أن فقدت الثقة في أي عملية سياسية  في ظل الحكم الحالي.

البرلمان ومؤسسة الرئاسة اليوم مشكوك في شرعيتهما. بالاضافة الى ذلك، فان الوضع الحالي مرجح للمزيد من الاحتقان خاصة مع تزايد المطالب الشعبية وارتفاع نسب البطالة (31% حسب احصاءات مستقلة ) والفقر رغم ما تحتويه البلاد من موارد طبيعية. من المرجح أن تفتح عملية التزوير الفاضحة في الانتخابات الاخيرة  المجال للمزيد من الاضطرابات في البلاد،  و يمكن اعتبارها بمثابة  المسمار الاخير في نعش التجربة الديمقراطية في موريتانيا.

منتشور في موقع فكرة 

ذكريات إسكندرانية

لحظة فرح إسكندرني
لحظة فرح إسكندرني

كنت قد ختمت تدوينتي الأولى عن مشاركتي في منتدى الإسكندرية  بالقول أني سأتحدث في تدوينة أخرى عن المدينة والشعب و الاحتقان السياسي والشباب و الكتابات الحائطية المناهضة للحكم العسكري،وها أنا أفعل.
انطباعات حول المدينة والمواطنين
لقد كان للأغاني و الأشعار دور مهم في ترسيخ روح الإسكندرية وجمالها وتفردها في الذائقة الجمالية العربية، مثل أغاني شط اسكندرية لفيروز و بين شطين ومية لمحمد قنديل و (يا اسكندرية) التي كتبها أحمد فؤاد نجم وغناها الشيخ إمام.
ورسخت الأفلام السينمائية والأعمال الأدبية تلك الصورة أيضا،ولم يتغير الأمر بالنسبة لي بعد قدومى إلى المدينة والتحامى ببعض ملامحها،بل زاد الاعجاب،فبحرها يشفى العليل بالفعل ويبعث على العشق، وتنسيق المبانى لا يخلوا كذلك من قدر من الابداع،الفن يشع من كل أركان المدينة ولعل أكثر الأشياء التي تركت في نفسي أثراً طيبا هي تكريم المبدعين،فقد حظيت بزيارة مسرح إبن المدينة ومبدعها الأول سيد درويش والذي كان قيد الترميم رغم حالة الاحتقان والاضطراب التي تعيشها مصر حاليا، كما أسعدنى  وجود مسرح يحمل إسم بيرم التونسي.
ومن سوء حظى أني لم أجد الوقت الكافي لكي أغوص في دنيا مكتبة الاسكندرية العملاقة و أهم معالم المدينة الجذابة،فقد اكتفيت بنظرات خاطفة من بعيد.
هذا عن المدينة ،أما الشعب فهو قصة أخرى أكثر روعة وجمالاً ،فقد تأكدت من خلال احتكاكي بالمواطنين وخاصة الشباب من سلامة تصوري 
الذي  طالما سيطر على ذهنى،وهو أن النخب التي تغزوا المشهد المصري و تسيطر عليه وتبث أمراض العنصرية والعنجهية الغبية و النفاق و كل مظاهر التخلف،مجرد نخب معزولة عن الشعب ولا تمثل سوى أمراضها النفسية،فالشعب في مصر مضياف يحب الاَخر و يجله وبعيد كل البعد عن العنصرية،محب للسخرية والضحك رغم الماَسي والكوارث وضربات الزمن.
شعب متسامح بشكل فطرى ومتعايش بكل تناقضاته،وهذا ما اكتشفته عند سيري على كورنيش الاسكندرية وزيارتي الليلية لمنطقة القلعة،فعدد العشاق واختلافهم يبعث على الراحة،فالمنقبات وأصحاب القمصان  يتبادلون الورود ونظرات الحب بجانب من توصف ب”السفور”والشاب حليق اللحية من دون أي ازعاج ولا مشاكل،إذ كل عاشق هنا  مشغول بعشقه ومحبوبه.
و قد سعدت بصداقات جديدة من شباب الاسكندرية وكل محافظات مصر،شباب يشبهونني في رفضى للظلم والخنوع والعنصرية وتفاهة المركزية والتقوقع التي تنخر عقول بعض النخب المصرية المريضة.فقد كانوا بمثابة الشموع التي تحترق من أجل ضيوف المدينة، يضحون بوقتهم وطاقتهم حتى يكون الجميع في حالة من السعادة الطافحة.
الجدران ترفض العسكر وحكمهم والشباب أيضا!
أثناء تجوالي في المدنية لاحظت انتشار الكتابات الحائطية المناهضة لحكم العسكر وللسيسي،و كان هاشتاغ#انتخبوا_العرص أكثرها انتشاراً،فحتى محكمة الاسكندرية و كوبري ستانلي الرائع لم يسلما منها،وقد كان لي وقفة مع الهاشتاق وأخذ صورة معه أثناء تجوالي على الكوبري وتجربة الترمس الذي يباع عليه،في المقابل لاحظت لافتات عملاقة داعمة للسيسي ،تحمل عبارات من قبيل” كمل جميلك “،وبعض المبادرات الداعمة له ذكرتنى بمبادراتنا المتملقة والمنافقة.
حالة الرفض الموجودة على الجدارن لها صدى كذلك بين الشباب،فحواراتي مع من قابلت أكدت لي أن صورة الجنرال المخلص التي يرسمها الاعلام المصري الموجه لاتعدو كونها حالة من البروباغاندا الرخيصة، فأغلب من تكلمت معهم يرفضون حكم العسكر والحالة الواقعة والقمع والفاشية الجديدة ولم أجد أي احتفاء بالسيسي ولا العسكر،بل إن الكثير  يرى أن ثورته تمت سرقتها و يشعر بالاحباط ولا يخلو ذهنه من ذكرياته المشتركة مع أحد رفاقه المسجونين الاَن،ويتنازعهم هاجس إكمال المشوار أو التعامل مع القضية كأنها عرض مسرحي هزلي.

ومن ضمن القصص التي أثرت في أثناء تواجدي في الاسكندرية هي رؤيتي لميدان شهداء ثورة الخامس والعشرين يناير في منطقة ميامي وقد تحول إلى مكب للنفايات( أخبرنى صديقي أنه تم تنظيفه بعد مغادرتى ليصبح موقفاً للسيارات)  وكذلك سماعي لحظر حركة السادس من إبريل،وهو ما يؤكد أن الثورة في مصر تتعرض يوميا للغدر.
لكني غادرت الإسكندرية ومصر و أنا متأكد أن الوضع لا يمكن أن يبقى على ماهو عليه،فالشعب الذي ضحى مثل تضحيات المصريين لا يستحق هكذا نهاية،والغضب المصري،سيتحول إلى ثورة جديدة تؤسس لغد أفضل،ذلك الغضب الذي لمسته من قصة شيخ  توجه إلي ورفاقي على احد مقاهي الإسكندرية ليعرض بضاعته علينا، و ليسأل أحدنا إن كان متزوجا، فلما رد عليه بالنفي،قال الرجل أحسن ففي أيامنا البغيضة هذه التي لا أفق فيها الزواج “وكسة “.

 

موريتانيا:الفقراء في مواجهة العلماء!

صورة لسيدة من سكان الحي
صورة لسيدة من سكان الحي

الأحياء العشوائية والفقر صفات تلاصق العاصمة الموريتانية نواكشوط،وقصص سكانها هي الأكثر حضوراً في النقاش المجتمعي،وهذا الأمر يلاحظ جليا عند المرور بالقصر الرئاسي،الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى حائط  مبكى لفقراء نواكشوط.

حيث يشهد محيطه إعتصامات شبه دائمة من طرف سكان الأحياء العشوائية المتضررين من عدم تخطيط  وتأهيل أماكن سكنهم أو من نزع الدولة لأراضيهم أو من تحكم النافذين الذي يتسبب في تشريدهم،فقصصهم مع المعاناة كثيرة ومؤثرة،لكن أكثر قصص هؤلاء السكان جدلاً هي قصة سكان منطقة مايحشم في حي قندهار( التسمية تعني بالعربية “لا يستحي”)،حيث يشكوا سكانها من قيام الإدارة بسلبهم أرضا كانوا يستغلونها للزراعة منذ ثلاثين عاما، وقامت بمنحها لرابطة العلماء والأئمة الموريتانيين،ويقول السكان إن الدولة قامت باعطائهم حق استغلال تلك الأرض سنة 1984 ومنذ ذلك الزمن وهم يعيشون في خيرها،وتخلل تلك الفترة صراعات مع متنفذين كانوا يريدون الاستحواذ عليها،كان اَخرها سنة 2007 ،حيث انتصر السكان عبر القضاء الذي أكد أحقية السكان بالأرض.

لكن في الفترة الأخيرة جاء بعض الأئمة والعلماء وقاموا بعمليات نهب وهدم وتدمير في الأرض المذكورة وتم الأمر تحت غطاء الحرس الوطني،وحين إعترض سكان حي “ماتحشم ” على اتلاف أرضهم تم قمعهم بقسوة من طرف الحرس ،مما خلف بيهم إصابات بالغة،ويطالب السكان بالانصاف وعدم السماح للأئمة والعلماء بطردهم من أرضهم،ويعتبرون إن طردهم يعني القضاء على مستقبل 80 أسرة تعيش على خير تلك الأرض.

المختلف في القضية هو أن أحد أطرافها هو رابطة العلماء والأئمة الموريتانيين التي تمثل رجل الدين الموالي للنظام وليست مجرد قصة نافذ يريد زيادة أرباحه وأملاكه على حساب الفقراء،وهو مأزق جديد لرجل الدين في موريتانيا،حيث يظهر في صفة المغتصب المحارب من أجل هضم حقوق الفقراء،بعد أن فقد الكثير من رصيده في عمليات تملقه الشديد للنظام،فهذه الرابطة سبق و أن طالبت الجنرال ولد عبد العزيز بالترشح لمأمورية ثانية وقدم أعضائها وصلات نفاق أزعجت الكثير من النشطاء الموريتانيين على الشبكة، وعلقوا باشمئزاز حولها و هو نفس ماحصل حين أعلن وزير التوجيه الإسلامي الموريتاني ولد النيني عن لقب جديد للجنرال عزيز ،وهو رئيس الإسلام،مما أثار موجة امتعاض كبيرة من الكلمة واللقب،الرجل الذي تتهم وزارته بأنها أكثر الوزارات فساداًَ،رغم كونه عالم دين يقدم المحاضرات حول قيم الإسلام!

تحالف رجال الدين في موريتانيا مع النظام،يفقدهم الاحترام بشكل مستمر بين الأوساط الشعبية وخاصة الشبابية التي ترى أنهم أصبحوا مجرد مبررين لجرائم النظام ونهبه للثروة وإهانته للشعب وذلك مقابل الحصول على بعض فتات موائده الحرام.

المفارقة في القضية أن اسم المنطقة يحمل شحنة امتعاض من قلة الخجل و يبدو أن القدر مصر على جعل سكانها يتصارعون مع فئة في قطيعة تامة مع الخجل!،ويبقى السؤال المطروح،هل خلت نواكشوط من الأراضي حتى لا يجد النظام ما يعطيه لرابطة الأئمة إلا أرضاً يستفيد منها مجموعة من الفقراء؟