أرشيفات التصنيف: كوارث

حمى الوادي المتصدع: لاجديد فالعصابة تستمتع!!

12118654_508573035972005_4988816730623424074_n
أعلنت وزارة الصحة الموريتانية في بيان أصدرته” يوم الأحد 15 أكتوبر 2019″، أنه حدثت حالة وفاة واحدة بسبب حمى الوادي المتصدع وأن الوضع تحت السيطرة، وأن كل من يتحدث عن تفشي الحمى النزيفية في الدولة مجرد مغرض ويريد تسيس الحمى، وأكد وزير الصحة بعد ذلك أنه حدثت أربعة حالات وفاة بسبب حمى الوادي المتصدع. يذكر أن بيان الوزارة وتصريح الوزير حدث بعد صخب وضعط حصل على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث ندد المدونون والنشطاء بتعامل الحكومة الفاتر مع معاناة المواطنين ومحاولتها حجب المعلومات وتضليل المواطنين وعدم اكتراثها بصحتهم، حيث لم تقم بحملات توعية ولم تستنفر طواقم من أجل مساعدة المواطنين، استطاع المدونين احراج الحكومة، عبر هاشتغ #بلد_ينزف، وقد نظموا وقفات أمام وزارة الصحة أعتقل على اثرها 12 ناشطا ولا يزال منهم خمسة منهم رهن التوقيف، وثلاثة غير معلومي المكان وتم قمع من تضامن معهم.
تجد الإشارة إلي أن المستشفيات تعاني منذ أشهر اكتظاظا شديدا بالمرضى المصابين بحمى الضنك وقد تحدث أطباء عن تفشي حمى الضنك وظهور حالات من حمى القرم الكنغولية وحمى الوادي المتصدع. وقد ظهرت رسالة مسربة أرسلتها وزارة إلي الصحة منظمة الصحة العالمية، جاء فيها أنه حدث ثمانية حالات وفاة بسبب حمى الضنك وأن تلك الحمى وجدت في ثلاثة عشر مقاطعة، وهو ما يناقض تصريحات الوزير وبيان وزارة الصحة ويدعم كلام النشطاء.
مهلا، سمعتك أيها المستغرب، أنا لم أخطئ في كتابة التاريخ وكان عن قصد فالخبر سيتكرر سنة 2019 وبنفس التفاصيل… الاهمال سيظل سيد الموقف ما دامت العصابة تتحكم في دولتنا، وتعتمد على ضعف ذاكرتنا وموسمية تذكرنا وسكوت بعضنا ورضوخه، فصمتنا هو سر قوتها، مثلا، هل جد جديد في قضية الصرف الصحي والمستنقعات المسبب الأول لتفشي البعوض المسبب لحمى الضنك وغيرها من الحميات؟، لا لم يحدث شيء، فمدينتنا لا زالت تكره المطر والمستنقعات تستوطن عاصمتنا المكلومة، وهل طرأ تطور في قضية انقطاع الكهرباء التي تقول العصابة أننا أصبحنا مصدرين لها؟.
هل حدث تحسن في معاناة المواطنين العطش؟، وهل حدث تطور ولو طفيف في ترسيخ دولة القانون؟.
عذرا، لقد جد جديد ومن اللازم ذكره وهو تحول العصابة من سياسية احتقار المواطنين داخليا ونهب الوطن وبيعه بالقطعة والجملة إلي بيع جنودنا للقتال من أجل عيون عائلة آل سعود ولدعم جرائمها في اليمن. هذه العصابة لا تتواني عن أي خسيسة وكل يوم تخرج لها فضيحة وقد فاحت رائحتها حتى وصلت شرطة الأسواق المالية ووزارة العدل الأميركيتين، حيث قال تحقيق نشرته صحيفة لموند الفرنسية، متعلق بفساد شركة كينروس تازيازت التي تستخرج الذهب الموريتاني، أن هناك مقربين من الجنرال ولد عبد العزيز متورطين في فساد الشركة وسيطالهم تحقيق شرطة الأسواق المالية، بل قال التحقيق:” أن لائحة هيئة الأوراق المالية ترسم خريطة السلطة في موريتانيا، نظرا لأن هذه الشخصيات تشكل عمق بطانة الرئيس”.

العصابة ليس في نيتها أي اصلاح وديدنها هو النهب وبدون التحرك بجدية من أجل تنظيف وطننا منها، سنقرأ خبر” تعديل الدستور” وبقاء الجنرال ليواصل نهبه للوطن واحتقاره للمواطن، وستكرر المآسي تباعا.

السادية تحتفل في نواكشوط!

10881689_882347311798345_6252142278916843999_n

شاهدت قبل فترة الفيلم المثير للجدل “120 يوما في سدوم”للمخرج الإيطالي باولو بازوليني، ذلك الفلم المليء بالسادية والاستمتاع بإذلال الانسان عبر سلسلة انتهاكات للأجساد والروح،المغرق في تقدم تفاصيل أبشع صور الإهانات وطرق التعذيب التي يمكن أن تتخيل، فقد تسبب ذلك الفيلم في اضطراب نفسي لصانعيه، لكن كنت أقول أن هذه مجرد سينما سوداوية ولا يمكن للفعل البشري أن يصل لتلك الدرجة من البشاعة،إ لا أنه فيما يبدو كنت في حالة من الهروب من الواقع لأنه أشد صعوبة من ما يأتي في السينما التي تعجز كثيراً عن رصده بل تجمله أحياناً،المهم، تذكرت ذلك الفيلم ومشاهده القاسية وأنا أتابع أخبار قيام مجموعة من المتحولين من البشرفي مقاطعة عرفات-العبارة أيضا تأتي في إطار رحلة الهروب- باغتصاب طفلة تسمى زينت في العاشرة من عمرها ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بحرقها في تجلي قذر للنفس البشرية الشريرة.

ماتت الطفلة زينب وتركتني تحت الصدمة رغم أني وصلت مؤخراً لقناعة أنه لم يعد شيء يفاجئني في هذه الأيام، تركتنا الطفلة والعار يلتحف أجسادنا وروحنا، فلم نستطع حمايتها في طريقها إلى محظرة تدريس القراَن، تركتنا وغادرت عالمنا السادي النتن، فهل سنقوم بالتكفير الضئيل عن خطيئتنا ونأخذ لها حقها من القتلة ومن فرض في حمايتها عبر فشله الأمني الذريع؟

الطفلة زينت لم تكن الأولى ولن تكون الأخير في سلسلة الاغتصاب البشعة، فقبل فترة تم اغتصاب الطفلة خدي توري التي ثرنا مطالبين بمعاقبة المجرمين لكن لم يحدث شيء، وهي طفلة أيضا في السادسة من عمرها، وقصتها بشعة أيضا وكلما تذكرتها أشعر بالغضب، وتسرح بي الذاكرة إلى حديث جمعني بعنصر من أمن وزارة” العدل”،حيث قال لي لماذا أنتم غاضبون هذا قضاء وقدر!كأنه ليس من حقنا الغضب من الأفعال البشعة وهو أمر يوضح مدى استخفاف الأمن بأرواح المواطنين، حدث ذلك حين تجمهر الشباب الغاضب المتشنج أمام باب الوزارة مطالبين بالعمل الجاد لمعاقبة المجرمين وتغيير القوانين المتعلقة بالاغتصاب، فقمت بالرد عليه في لحظة ساخرة وغاضبة، وقلت له : “اعتبر هذا التجمهر الغاضب قضاء وقدر أيضا”.

واليوم نحن أمام تحدي اَخر، يحتم ضرورة العمل والنضال الجاد من أجل وضع حد للمجرمين والمتحولين من البشرومعاقبتهم بما يستحقون، والنضال حتى نغير القوانين حتى تلائم العقوبة الجناية المرتكبة، وكذلك فضح الفشل الأمني، فأجساد المواطنات ليست هبة للذئاب البشرية .

حمى الضنك: عنوان اَخر للفشل

1725391_758619047539149_5784116668163910911_n

تحول الكثير من سكان المقاطعة الأولى في نواكشوط”تيارت” وما يجاورها من مقاطعات إلى مجموعة من”الزومبي“، بوجوه شاحبة خالية من الروح كأنها خارجة  للتو من القبور والسبب هو حمى الضنك التي تفشت في الشهور الثلاثة الأخيرة من دون أي تحرك من وزارة الصحة ولا أي جهة  من جهات الدولة.

إذ لم تخرج الوزارة المعنية ببيان يشرح طبيعة المرض ولا طرق الوقاية منه ولا تحاشيه ولم تقم بحملة توعية حوله ولم تعلن أي خطة استعجالية اغاثية للمواطنين المراجعين للمستشفيات والذين وجدوا صعوبات في مراجعتها بسبب قلة الأطباء والأسرة والأدوية، والأنكى من ذلك أن الأطباء والوزارة لم يتعرفوا على المرض إلا بعد أشهر وحتى تصاعدت وتيرة الإصابة بهذه الحمى، حيث أرسلوا عينات من دم المرضى إلى العاصمة السنغالية داكار ووصلت النتيجة بشكل متأخر جداً وكان عدد المصابين يقدر بالآلاف وبالتأكيد  ارتفع لأن هذه الحمى مازالت تنتشر ولا تصل لأسرة إلا وأصابت كل أفرادها. تسبب عدم معرفة الأطباء لطبيعة الحمى في تفاقم وضع عدة حالات بسبب العلاج الخاطئ من طرفهم، فقد تحول المرضى إلى مجرد فئران تجارب، وقد تسببت هذه الحمى لحد الاَن في وفاة أربعة مواطنين ثلاثة منهم في مستشفى تيارت وواحدة في المستشفى الوطني.

أمام هذه الوضعية خرجت  يوم الخميس 13 نوفمبر مع بعض رفاقي في حركة 25 فبرايرونشطاء اَخرين للتضامن مع سكان مقاطعة تيارت والتنديد بسكوت وزارة الصحة وعدم اتخاذها أي تدابير لمواجهة هذه الحمى التي أعطاها السكان اسم “حمى تيارت”،حيث رفعنا أمام مستشفى تيارت مع بعض سكان المقاطعة شعارات تطالب بتحسين القطاع الصحي واعلام الناس بحقيقة هذه الحمى ووضع اجراءات استعجاليه واضحة لمكافحتها والتوقف عن سياسة التعتيم وبعد انتهاء الوقفة مباشرة،حدث ما كان متوقعا وجاء الأمن بأمر من حاكم المقاطعة واعتقل مجموعة من النشطاء لبعض الوقت ليطلق سراحهم لاحقا،المهم،انتهت الوقفة، لتبدأ قصة أخرى وهي تحولي إلى زومبي بعد اصابتي في نفس اليوم بتلك الحمى التي تقول منظمة الصحة العالمية أن سببها:

حمى الضنك هي عدوى فيروسية تنتقل إلى الإنسان عن طريق لدغة بعوضة أنثى من جنس الزاعجة مصابة بالعدوى. ويتفرّع فيروس حمى الضنك إلى أربعة أنماط مصلية (DEN 1 وDEN 2 وDEN 3 و DEN 4). وتظهر أعراض المرض خلال فترة تتراوح بين 3 أيام و14 يوماً (من 4 إلى 7 أيام في المتوسط) عقب اللدغة المُعدية.

وتقول عن طبيعتها وأنواعها:
الضنك مرض وخيم يشبه الإنفلونزا ويصيب الرضّع وصغار الأطفال والبالغين، ولكنّه قلّما يؤدي إلى الوفاة.
وتختلف السمات السريرية لحمى الضنك وفق عمر المريض. فقد يُصاب الرضّع وصغار الأطفال بالحمى والطفح. أمّا الأطفال الأكبر سنّاً والبالغين فقد يُصابون بحمى خفيفة أو بالمرض الموهن المألوف الذي يظهر بشكل مفاجئ ويتسبّب في حمى شديدة وصداع حاد وألم وراء العينين وألم في العضل والمفاصل وطفح.
أمّا حمى الضنك النزيفية فهي مضاعفة قد تؤدي إلى الوفاة ومن خصائصها الحمى الشديدة، مع تضخّم الكبد في كثير من الأحيان، وقصور دوراني في الحالات الوخيمة. ويبدأ المرض، في غالب الأحيان، بارتفاع مفاجئ في حرارة الجسم مصحوب ببيغ وجهي وغير ذلك من الأعراض المشابهة لأعراض الإنفلونزا. وتستمر الحمى، عادة، يومين إلى سبعة أيام ويمكنها بلوغ 41 درجة سلسيوز، مع احتمال ظهور حالات اختلاج ومضاعفات أخرى.

لا تسبب حمى الضنك تلك الأعراض فقط بل تصل بالانسان إلى مرحلة فقدان الشهية للحياة وتحوله إلى كائن خائر القوى. وقد كشفت حمى الضنك زيف ادعاء النظام بتحسن القطاع الصحي في موريتانيا، فدولة تترك مواطنيها لحمى تنهشهم من دون أي تحرك لا يمكن أن توصف بأن فيها قطاع صحي أصلاً،ودولة لا تملك لحد الاَن مختبرات تمكن الأطباء من تحديد نوعية حمى منتشرة عالميا وتلجأ إلى جارتها السنغال التي هي في النهاية مجرد دولة من دول العالم الثالث لا يمكن إلا أن يقال أن وضع الصحة فيها بائس،وأكدت أيضا تجربة هذه الحمى أن النظام مازال يصر على سياسة التعتيم على فشله ولو كان الثمن هو حياة المواطنين وأن أي شخص يحاول كشف ذلك الفشل سيتعرض للملاحقة والمضايقة.وأكدت لي أيضا هذه الحمى عدم ثقة المواطنين بالنظام فأثناء وقفتنا تحدثت مع بعض المواطنين عن ضرورة الاحتجاج على الوضع فكان رد أغلبهم بأنه لا فائدة  من ذلك فمن يحكم يعلم الوضع ولكنه لا يهتم لحياتنا المهم فقط عنده هو جمع المال.

لكن كما يقال من يهن يسهل الهوان عليه وبسكوتنا سنتحول كلنا إلى مجموعة من”الزومبي”،فمتى ننتفض ونضع حدا لهذا الوضع المهين؟ بل متى نقرر الحياة بشكل طبيعي ونخرج من حالة المواطن الزومبي؟

غرق نواكشوط

صورة لتأثير الأمطار على مدينة نواكشوط العام الماضي
صورة لتأثير الأمطار على مدينة نواكشوط العام الماضي

التقارير والدراسات التي تفيد بأن أيقونة العواصم العشوائية في العالم نواكشوط مهددة بالغرق في ظرف عشر سنوات تسبب الأرق والهلع بين الذين ابتلاهم الله بسكنها والارتباط بها .

خاصة أن بوادر غمر مياه المحيط لهذه المدينة الشيطانية بدأت تتجلى فالمياه أصبحت تخرج من باطن الأرض في  بعض مقاطعات المدينة…أصبحت تخنق حياة الناس وتجعلهم يهاجرون إلى أماكن أخرى في انتظار الغرق الأكبر…حيث ستنطلق مياه المحيط  الأطلسي في رحلة غدر لتغرق نواكشوط وتتجاوزه إلى الكلم 150 شرقا حسب رأي الدكتور زغلول النجار وخبراء دوليين  .

لكن ليس غمر المياه هو ما يهدد مدينة نواكشوط  فقط… بل  هناك طوفان وفيضان اَخر يهددها وهو الظلم والقهر …طوفان أخطر وأكثر بشاعة وفتكا …طوفان مليء بالمآسي …مائه حارق وماحق .

ففي مدينة الأشباح  نواكشوط لاتخلوا نقطة مرور من ذلك الطفل الوديع المتهرئ الثياب ذا العيون الذابلة التي تحكي ظلم أهل المدينة وهو يحمل خردة علبة طماطم يستجدي عطف الناس لكي يعطوه ما تيسر من نقود  لا لنفسه بل لذلك الشيخ الظالم الذي أرسله ليقتات من بؤسه ولا يخلوا مراَب لإصلاح السيارات من ذالك الطفل الذي تورمت خدوده بسبب صفعات صاحب المراَب و تأكسدت قريحته من كثرة الشتائم التي يتلقى .

أيضا كلما خطت قدماك في هذه المدينة صادفت ذلك الطفل الغاضب بالفطرة المحروم من التعليم  وهو على ظهر عربة لنقل أوساخ أهل المدينة …تلك الأوساخ التي تحوى دائما ما يحتاجه ذالك الطفل ليكمل نهاره من طعام وكلما كنت أكثر حبا للاستكشاف لابد أن تجد تلك المنطقة التي يعيش سكانها في صراع مع الطبيعة والدولة والحظ العاثر …

تلك المنطقة المسماة “الكزرة ” حيث يعيش أغلب فقراء هذه المدينة حيث تحكي قصة الهجرة من مدن الداخل إلى نواكشوط بعد الجفاف الذي ضرب أجزاء واسعة من البلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، وذلك بعد أن فقد السكان مصادر الحياة الأساسية في بواديهم  .

حيث يعيش سكانها في انتظار اليوم الذي يمتلكون فيه قطعة أرض ومسكن يقيهم حر المدينة وغبارها …مسكن يحميهم من كلاب المدينة الضالة يحفظ كرامتهم وآدميتهم .

ينتظرون اليوم الذي يشربون فيه الماء من الحنفية بعد أن قضوا حياتهم يطاردون ذلك الحمار الذي يقدم لهم السقاية…ينتظرون ذاك الماء الملوث المسبب لشتى أنواع السقم … يعيشون على أمل أن يناموا يوما واحدا وهم لا يفكرون كيف سيسكتون جوع أطفالهم وكلما اقتربت من أكواخ  وبيوت الأحياء العشوائية لفحتك نار غصاة وأنفاس المطحونين القاطنين فيها وفي هذه المدينة الظالم أهلها على الفقير أن يقدم الرشوة وينعق النعال لكي يحصل على حقه وفي كثير من الأحايين لا تنفعه لا رشوة ولا تملق في أخذ ذالك الحق وفي مدينة الأشباح تشهد الشوارع على قمع كل من يفكر في الاحتجاج على ظلم أباطرتها للمسحوقين…

ففي مدينة نواكشوط على الفقير أن يظل ساكت على الظلم حتى يترك يتنفس الهواء .

كل هذه المظاهر تنذر بغرق المدينة في طوفان من الدم والإجرام فأطفالها هم مجرمي و حاقدي الغد فقد حرم أغلبهم من التعليم فالأطفال يمثلون ربع العمال .

وفقرائها لابد أن يضيقوا ذرعا من الظلم وينتفضوا ويقتلوا الخوف فيهم ويسحقوا من يظلمهم …لابد أن يثأروا لسنينهم  التي ضاعت في مهب الريح بسبب الظلم … تلك الانتفاضة التي إن تأخرت ولم يكن للنخبة فيها دور قد تكون دامية تفضى إلى غرق المدينة في نهر من الغل  .

يبدوا أن غرق  المدينة  أمر حتمى وأنه عقاب على تأسيسها على أساس خاطئ بداية من اختيار الرعيل الأول لموقعها عام 1957. حيث كان الموقع في منطقة صحراوية منخفضة تطل على المحيط الأطلسي ،ونهج حكامها في ما  بعد نهج الفساد وطحن السكان وتوسيع دائرة المسحوقين  فيها .

لكن لو واصلت النخب نضالها و كانت على  قدر اللحظة  التاريخية قد تنجح في  أن تنقذ  على الأقل سكانها من الغرق في دماء الحقد بثورة سلمية تأسس لحياة أفضل ومدينة أجمل .

موريتانيا:قصة مدينة منكوبة

كما يقال،المصائب لا تأتي فرادى ،وهذا ماحدث في شهر رمضان لهذه السنة،فأينما وليت وجهي متفقداً وضع الإنسان في البقعة المسيطرة على أكبر اهتمامي ،أجد مصيبة وكارثة،تختلف في القوة و البشاعة لكنها تبقى مصيبة،ففي فلسطين ينكل بالشعب من قبل قوات الإحتلال وفي العراق يطارد المواطن المسيحي من طرف عصابة تعشق القتل والكره،وفي بلدي موريتانيا تحولت الأمطار من بشرى خير إلى كارثة تشرد و تجوع السكان و تدمر المنازل،فبسبب الأمطار تحطم السد الرملي في مدينة أمبود  الواقعة بولاية كوركل  جنوب البلاد،لتتسبب السيول في تدمير 750 منزل،واتلاف بعض المحاصيل الزراعية التي كان السكان قد إدخروها من حصاد العام الماضي للاستعانة بها في غذائهم،مما جعلهم عرضة للجوع.خاصة أن سكان المدينة يعتمدون بشكل أساسي على محاصيلهم الزراعية.

ظلت الكارثة محل تجاهل من قبل وسائل الإعلام المحلية والنظام الموريتاني و حتى منظمات المجتمع المدني ،إلى أن قام النشطاء والمدونون على الشبكة بحملات على مواقع التواصل الإجتماعي من أجل إنقاد المدينة وسكانها. حيث بدأت الصحافة تتحدث عنها على استحياء وقامت بعض المنظمات بالاعلان عن مبادرات للإغاثة و تقديم الاسعافات الأولية لها،مثل الأدوية والخيام والملابس والغذاء و قام النظام بتقديم بعض المساعدات لصالح مائة شخص من المتضررين،لكن المواطنين قالوا إنها لا تنفعهم في الكارثة وأنها مجرد ذر للرماد في العيون وأن توزيعها خضع للحسابات السياسية ،حيث حرم منها من يعرف بمعارضته للنظام.

بدوره،أصدر  المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة  الذي يضم أحزاب المعارضة الموريتانية وبعض النقابات ومنظمات المجتمع المدني بيانا  تضامنيا مع سكان مدينة أمبود ،طالب  فيه النظام بالتدخل لإنقاد سكان المدينة و حمله مسؤولية ما سيحل بهم.

صورة تظهر الدمار نشرها الناشط عبد القادر محمد على فيسبوك
صورة تظهر الدمار نشرها الناشط عبد القادر محمد على فيسبوك

كارثة مدينة أمبود أعمق من مجرد مساعدات إسعافية اَنية،فنسبة المنازل المبنية بالطين في المدينة تصل إلى ٩٠% وسدها مبني بالرمل (للتوضيح: إنهارت أجزاء من السد عام العام 2010 وقد رمم بعدها ) وأي هطول كبير للأمطار سيأتي على ماتبقى منها، فهي تعكس حالة الإهمال الحاصل من طرف الدولة الموريتانية لمواطنيها.

مدينة أمبود تحتاج لأن يبنى لها سد على مقاييس عصرية لا يتدمر بسبب هطول بعض مليمترات  من الأمطار و أن يُساعد سكانها في إعادة إعمار منازلهم بمواد بناء عصرية غير بدائية كما هو حال منازل المدينة الاَن ،ومن الضروري أن تضع الدولة لهم خطط تنموية تساعدهم في تطوير زراعتهم و تدعم وضعهم الإقتصادي الهش و تنتشلهم من حالة الفقر المدقع .

طبعا هذا بالإضافة إلى عملية الإسعاف السريع،لأن المستنقعات قد تجلب للمدينة كثير الأمراض والأوبئة.

لكن حسب الواقع لا  أرى أن الأمر سيتغير فيه شيء و أن النظام الموريتاني سيقوم باللازم،خاصة أن وزير الإعلام الموريتاني قد قلل من شأن الكارثة وقال إن ماحدث تم تهويله فقط!.

وحين ننظر إلى واقع بقية المدن الموريتانية و تعامل النظام مع الكوارث التي تقع فيها ،نجد أن  الأمر غير مشجع، العاصمة نواكشوط مثلا تتحول إلى مستنقع كبير عند هطول الأمطار و ذلك بسبب غياب الصرف الصحي ولم يقم النظام لحد الاَن بأي خطوات حقيقية و مؤثرة لإنشاء صرف صحي لها،ففي العام الماضي تضرر سكانها بشكل كبير من مياه الأمطار والبرك الناتجة عنها والمشهد قد يتكرر هذا العام عند هطول الأمطار في فصلها،لأنه باختصار لم يتغير أي شيء ومازالت العاصمة   تنتابها حالة من الكره الشديد تجاه المطر!.