السادية تحتفل في نواكشوط!

10881689_882347311798345_6252142278916843999_n

شاهدت قبل فترة الفيلم المثير للجدل “120 يوما في سدوم”للمخرج الإيطالي باولو بازوليني، ذلك الفلم المليء بالسادية والاستمتاع بإذلال الانسان عبر سلسلة انتهاكات للأجساد والروح،المغرق في تقدم تفاصيل أبشع صور الإهانات وطرق التعذيب التي يمكن أن تتخيل، فقد تسبب ذلك الفيلم في اضطراب نفسي لصانعيه، لكن كنت أقول أن هذه مجرد سينما سوداوية ولا يمكن للفعل البشري أن يصل لتلك الدرجة من البشاعة،إ لا أنه فيما يبدو كنت في حالة من الهروب من الواقع لأنه أشد صعوبة من ما يأتي في السينما التي تعجز كثيراً عن رصده بل تجمله أحياناً،المهم، تذكرت ذلك الفيلم ومشاهده القاسية وأنا أتابع أخبار قيام مجموعة من المتحولين من البشرفي مقاطعة عرفات-العبارة أيضا تأتي في إطار رحلة الهروب- باغتصاب طفلة تسمى زينت في العاشرة من عمرها ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بحرقها في تجلي قذر للنفس البشرية الشريرة.

ماتت الطفلة زينب وتركتني تحت الصدمة رغم أني وصلت مؤخراً لقناعة أنه لم يعد شيء يفاجئني في هذه الأيام، تركتنا الطفلة والعار يلتحف أجسادنا وروحنا، فلم نستطع حمايتها في طريقها إلى محظرة تدريس القراَن، تركتنا وغادرت عالمنا السادي النتن، فهل سنقوم بالتكفير الضئيل عن خطيئتنا ونأخذ لها حقها من القتلة ومن فرض في حمايتها عبر فشله الأمني الذريع؟

الطفلة زينت لم تكن الأولى ولن تكون الأخير في سلسلة الاغتصاب البشعة، فقبل فترة تم اغتصاب الطفلة خدي توري التي ثرنا مطالبين بمعاقبة المجرمين لكن لم يحدث شيء، وهي طفلة أيضا في السادسة من عمرها، وقصتها بشعة أيضا وكلما تذكرتها أشعر بالغضب، وتسرح بي الذاكرة إلى حديث جمعني بعنصر من أمن وزارة” العدل”،حيث قال لي لماذا أنتم غاضبون هذا قضاء وقدر!كأنه ليس من حقنا الغضب من الأفعال البشعة وهو أمر يوضح مدى استخفاف الأمن بأرواح المواطنين، حدث ذلك حين تجمهر الشباب الغاضب المتشنج أمام باب الوزارة مطالبين بالعمل الجاد لمعاقبة المجرمين وتغيير القوانين المتعلقة بالاغتصاب، فقمت بالرد عليه في لحظة ساخرة وغاضبة، وقلت له : “اعتبر هذا التجمهر الغاضب قضاء وقدر أيضا”.

واليوم نحن أمام تحدي اَخر، يحتم ضرورة العمل والنضال الجاد من أجل وضع حد للمجرمين والمتحولين من البشرومعاقبتهم بما يستحقون، والنضال حتى نغير القوانين حتى تلائم العقوبة الجناية المرتكبة، وكذلك فضح الفشل الأمني، فأجساد المواطنات ليست هبة للذئاب البشرية .

حمى الضنك: عنوان اَخر للفشل

1725391_758619047539149_5784116668163910911_n

تحول الكثير من سكان المقاطعة الأولى في نواكشوط”تيارت” وما يجاورها من مقاطعات إلى مجموعة من”الزومبي“، بوجوه شاحبة خالية من الروح كأنها خارجة  للتو من القبور والسبب هو حمى الضنك التي تفشت في الشهور الثلاثة الأخيرة من دون أي تحرك من وزارة الصحة ولا أي جهة  من جهات الدولة.

إذ لم تخرج الوزارة المعنية ببيان يشرح طبيعة المرض ولا طرق الوقاية منه ولا تحاشيه ولم تقم بحملة توعية حوله ولم تعلن أي خطة استعجالية اغاثية للمواطنين المراجعين للمستشفيات والذين وجدوا صعوبات في مراجعتها بسبب قلة الأطباء والأسرة والأدوية، والأنكى من ذلك أن الأطباء والوزارة لم يتعرفوا على المرض إلا بعد أشهر وحتى تصاعدت وتيرة الإصابة بهذه الحمى، حيث أرسلوا عينات من دم المرضى إلى العاصمة السنغالية داكار ووصلت النتيجة بشكل متأخر جداً وكان عدد المصابين يقدر بالآلاف وبالتأكيد  ارتفع لأن هذه الحمى مازالت تنتشر ولا تصل لأسرة إلا وأصابت كل أفرادها. تسبب عدم معرفة الأطباء لطبيعة الحمى في تفاقم وضع عدة حالات بسبب العلاج الخاطئ من طرفهم، فقد تحول المرضى إلى مجرد فئران تجارب، وقد تسببت هذه الحمى لحد الاَن في وفاة أربعة مواطنين ثلاثة منهم في مستشفى تيارت وواحدة في المستشفى الوطني.

أمام هذه الوضعية خرجت  يوم الخميس 13 نوفمبر مع بعض رفاقي في حركة 25 فبرايرونشطاء اَخرين للتضامن مع سكان مقاطعة تيارت والتنديد بسكوت وزارة الصحة وعدم اتخاذها أي تدابير لمواجهة هذه الحمى التي أعطاها السكان اسم “حمى تيارت”،حيث رفعنا أمام مستشفى تيارت مع بعض سكان المقاطعة شعارات تطالب بتحسين القطاع الصحي واعلام الناس بحقيقة هذه الحمى ووضع اجراءات استعجاليه واضحة لمكافحتها والتوقف عن سياسة التعتيم وبعد انتهاء الوقفة مباشرة،حدث ما كان متوقعا وجاء الأمن بأمر من حاكم المقاطعة واعتقل مجموعة من النشطاء لبعض الوقت ليطلق سراحهم لاحقا،المهم،انتهت الوقفة، لتبدأ قصة أخرى وهي تحولي إلى زومبي بعد اصابتي في نفس اليوم بتلك الحمى التي تقول منظمة الصحة العالمية أن سببها:

حمى الضنك هي عدوى فيروسية تنتقل إلى الإنسان عن طريق لدغة بعوضة أنثى من جنس الزاعجة مصابة بالعدوى. ويتفرّع فيروس حمى الضنك إلى أربعة أنماط مصلية (DEN 1 وDEN 2 وDEN 3 و DEN 4). وتظهر أعراض المرض خلال فترة تتراوح بين 3 أيام و14 يوماً (من 4 إلى 7 أيام في المتوسط) عقب اللدغة المُعدية.

وتقول عن طبيعتها وأنواعها:
الضنك مرض وخيم يشبه الإنفلونزا ويصيب الرضّع وصغار الأطفال والبالغين، ولكنّه قلّما يؤدي إلى الوفاة.
وتختلف السمات السريرية لحمى الضنك وفق عمر المريض. فقد يُصاب الرضّع وصغار الأطفال بالحمى والطفح. أمّا الأطفال الأكبر سنّاً والبالغين فقد يُصابون بحمى خفيفة أو بالمرض الموهن المألوف الذي يظهر بشكل مفاجئ ويتسبّب في حمى شديدة وصداع حاد وألم وراء العينين وألم في العضل والمفاصل وطفح.
أمّا حمى الضنك النزيفية فهي مضاعفة قد تؤدي إلى الوفاة ومن خصائصها الحمى الشديدة، مع تضخّم الكبد في كثير من الأحيان، وقصور دوراني في الحالات الوخيمة. ويبدأ المرض، في غالب الأحيان، بارتفاع مفاجئ في حرارة الجسم مصحوب ببيغ وجهي وغير ذلك من الأعراض المشابهة لأعراض الإنفلونزا. وتستمر الحمى، عادة، يومين إلى سبعة أيام ويمكنها بلوغ 41 درجة سلسيوز، مع احتمال ظهور حالات اختلاج ومضاعفات أخرى.

لا تسبب حمى الضنك تلك الأعراض فقط بل تصل بالانسان إلى مرحلة فقدان الشهية للحياة وتحوله إلى كائن خائر القوى. وقد كشفت حمى الضنك زيف ادعاء النظام بتحسن القطاع الصحي في موريتانيا، فدولة تترك مواطنيها لحمى تنهشهم من دون أي تحرك لا يمكن أن توصف بأن فيها قطاع صحي أصلاً،ودولة لا تملك لحد الاَن مختبرات تمكن الأطباء من تحديد نوعية حمى منتشرة عالميا وتلجأ إلى جارتها السنغال التي هي في النهاية مجرد دولة من دول العالم الثالث لا يمكن إلا أن يقال أن وضع الصحة فيها بائس،وأكدت أيضا تجربة هذه الحمى أن النظام مازال يصر على سياسة التعتيم على فشله ولو كان الثمن هو حياة المواطنين وأن أي شخص يحاول كشف ذلك الفشل سيتعرض للملاحقة والمضايقة.وأكدت لي أيضا هذه الحمى عدم ثقة المواطنين بالنظام فأثناء وقفتنا تحدثت مع بعض المواطنين عن ضرورة الاحتجاج على الوضع فكان رد أغلبهم بأنه لا فائدة  من ذلك فمن يحكم يعلم الوضع ولكنه لا يهتم لحياتنا المهم فقط عنده هو جمع المال.

لكن كما يقال من يهن يسهل الهوان عليه وبسكوتنا سنتحول كلنا إلى مجموعة من”الزومبي”،فمتى ننتفض ونضع حدا لهذا الوضع المهين؟ بل متى نقرر الحياة بشكل طبيعي ونخرج من حالة المواطن الزومبي؟