حوار مع “مثقف”!

سارتر وفوكو في مظاهرة وحالة نضالية رائعة
سارتر وفوكو في مظاهرة وحالة نضالية رائعة

قابلت قبل أيام أحد الوجوه المعروفة في المشهد “الثقافي “الموريتاني و بدأ بتحليل تجربتنا في 25 فبراير، حيث قال لي :

“كان سبب فشل حراككم وانتفاضتكم هو أنه لم تسبقه تراكمات مثل ما حدث في مصر… فالثورة المصرية كانت نتاج لعمل تم على سنين وتمخض عن انتفاضة شعبية ،وكانت نتيجة لتضافر جهود الشباب والنخبة المثقفة وأصحاب التجارب الكبيرة” ،وحدثني عن حركة كفاية وتجربة 6 إبريل، و تلاقح الأفكار بين كل التيارات، و تبادل الخبرات بين الأجيال “. متابعة قراءة حوار مع “مثقف”!

الوطن يسعنا

270488_10150311891000071_4859963_n

عندما بدأت بعض الأصوات الزنجية الموريتانية تتعالى وتنتقد الإحصاء السكاني وتطالب بالخروج ضده وبإسقاطه وتتهمه بالعنصرية والإقصاء.قررت الاستماع لشكاويهم والتعرف على أسباب امتعاضهم،حينها انزعجت مثلهم واعتبرت أن الإحصاء يهدد السلم الاهلى، وفيه أسئلة توجه إلى الزنوج أقل مايقال أنها عنصرية و إقصائية.

استفسارات تشعر الاَخر بالدونية والنقص والاتهام المسبق في موريتانيته،وذلك ماتحدث عنه لوكورمو،وهو أحد أهم أساتذة القانون الدستوري في موريتانيا والمعرف بخدمته للطلاب الموريتانيين بمختلف أعراقهم،حيث تكلم البروفسورعن استجوابه بطريقة مذلة وطرح السؤال التالي عليه:

مادمت محاميا فهل تعرف المحامي ولد عبد القادر بعمارة ولد المامي؟، تحدثت كذلك النائب في البرلمان كادياتا جاللو عن قصص أخرى مثل :

شخص ولد في مدينة بوكي فسألوه هل تعرف با سيلي أو زوجته .؟

حينها قلت لو وضعت نفسي مكان أحد هؤلاء المواطنين وتخيلت أني أسأل عن وزير موريتاني فاسد ومرتشي،أو عن نائب في البرلمان  دخل عن طريق انتخابات مزورة هزلية، فلن أجاوب حتى لو كنت أعرفه فإني أرفض أن تكون هذه طريقة إثبات أنني موريتانيا…

كل هذا جعلني أخرج في يوم 30يوليو،2011 في أول تظاهرت لحركة( لاتلمس جنسيتى )،التي تكونت ضد الإحصاء السكاني،حيث رأيت أنا ومجموعة من نشطاء حركة 25 فبراير أنه من الواجب علينا الوقوف ضد الظلم،كذلك أن نسعى الى أن  لا يأخذ ذلك الاحتجاج طابعا عرقيا وفئويا،وأن نحاول خلق رأي عام ضد كل تمييز يمارس بحق أي مواطن أو عرقية.

خروجنا هذا لم يرق طبعا للكثيرين من العنصريين العرب والزنوج،فالعرب اتهمونا بالعاملة  للخارج والخيانة وأن معارضتنا لنظام الجنرال عزيز جعلتنا نخون شريحتنا ووطننا،والزنوج لم يفهموا أن هناك بشر لايعترفون بالطائفية ويطالبون بدولة المواطنة،التي لاتفرق بين المواطنين،ولم يرق لهم أن يكون هناك من يطالب بسقوط النزعات العنصرية التي يروجون لها،وفعلا تعرض بعض النشطاء لاعتداءات أثناء الاحتجاجات،المهم واصلنا الخروج مع حركة (لاتلمس  جنسيتي) رغم قلتنا إلى أن تغيرت الطريقة المتبعة في الإحصاء،وتوقفت الأسئلة المستفزة، وكنا طلية تلك الاحتجاجات الصوت العربي الذي ينقل أخبارها ويشرح أغراضها ويحاول أن يكافح الخطاب العنصري،الذي دأب النظام والعنصريين ترويجه بين المواطنيين،واليوم وبعد أكثر من سنة ونصف على انطلاق تلك الاحتجاجات توطدت علاقة النشطاء في الحركتين وأصبحت النقاشات تتعمق ممانتج عنه:

-أن حركة لاتلمس جنسيتي بدأت تتحدث عن مواضيع أكثر وتطرح طرحا أشمل.ولم تعد تتحدث عن الإحصاء فقط ،كذلك وبسبب نقاشات نشطائها مع شباب 25 فبراير فهمت أنها لايجب أن تظل تخاطب نفسها وشريحتها،وبدأت باستخدام العربية بشكل أكبر في انشطتها من أجل إسماع صوتها إلى العرب وشرح وجهة نظرها لهم،وعدم تركهم لتضليل وسائل الإعلام العنصرية.

اقتنعت كذلك أن أي حراك فئوي لن يحقق نتيجة وخرجت مع شباب 25 فبراير في الذكرى الثانية لانتفاضة فبراير للمطالبة بالدولة المدنية،وتشاركت معه في بيانات ومواقف عدة.

-أما بالنسبة لنشطاء حركة 25 فبراير فقد تغير من كان منهم لديه أفكار نمطية عن مطالب الزنوج وأصبح يفرق بين العنصري والمطالب بالحق .

بعد تجربتي ورفاقي مع احتجاجات لاتلمس جنسيتي تأكدت أنه هناك جدار صلب مبني بين مكونات الشعب الموريتاني،وتغذية مستمرة للعنصرية من قبل المتطرفين العرب والزنوج ،يستغلون فيها عدم وجود احتكاك فعلي بين العرقين ويبثون خطابهم المسموم  الهادف إلى مزيد من التنافر، وأنه علينا كطلائع ثورية تطالب بدولة المواطنة أن نحاول كسر هذا الجدار الوهمي بالتفاعل والتشبيك مع بعضنا،وخلق حالة من اللحمة الوطنية وجبهة تكافح العنصرية،فالتغيير لا يمكن أن يصنعه فصيل ولا عرق واحد فهو عمل جماعي، فموريتانيا أجمل بتنوعها .

النفايات مأزق موريتاني اَخر!

صورة من مكب النفايات الذي يحتج عليه السكان في قرية تيفريت
صورة من مكب النفايات الذي يحتج عليه السكان في قرية تيفريت
إن الحديث عن الأوساخ والنفايات في العاصمة نواكشوط ،حديث ذو شجون،فبينهما قصة أسطورية تفرض نفسها على عيون وأنفاس  و كل حواس  سكان المدينة.
واليوم تكتب أحدث سطور تلك القصة،وتتجاوز حروفها  سكان العاصمة  للقرى المجاورة لها،ففي يوم الأربعاء/30/يوليو خرج سكان تجمع تيفريت القروي، الواقع 25 كلم شرق نواكشوط على طريق الأمل،وذلك من أجل الاحتجاج على قيام المجوعة الحضرية بتفريغ  نفايات العاصمة  بالقرب من قريتهم الوادعة،مما تسبب في أضرار بيئية لقريتهم و بالتالي إزعاجهم ،وقد رفع المتظاهرون لافتات تطالب بالتوقف عن رمي القمامة والنفايات بالقرب من قريتهم، مؤكدين إنها تتسبب في أضرار صحية وبيئية ذات انعكاسات سلبية عليهم. وكان جزائهم هو المقع والتنكيل،حيث قامت قوات الدرك  الموريتاني باعتقال 14 شابا من سكان القرية.
قصة القرية والنفايات أعادت الأذهان إلى  قرار الحكومة الموريتانيى الغاء التعاقد مع شركة شركة PIZZORNO الفرنسية وقيام المجموعة الحضرية بعمل الأخيرة،مما نتج عنه بطالة أكثر من ألف مواطن موريتاني كانت الشركة الفرنسية تتعاقد معهم،في مقابل اعتماد المجموعة الحضرية في مشروعها الجديد على العمال بالأجرة اليومية الذين لا حقوق قانونية لهم،وكانت شركة PIZZORNO قد دخلت في تجاذبات سابقة مع الحكومة الموريتانية بعد تعنت الأخيرة في دفع مستحاقات الشركة،وقد بدأت الشركة المذكورة  تسيير النفايات المنزلية الصلبة وما شابهها في مدينة نواكشوط بعد توقيعها اتفاقية مع الحكومة الموريتانية وذلك في شهر مارس من سنة 2007 ولمدة عشرة سنوات قابلة للتجديد ،وبلغت تكلفة هذا الاتفاق 1.12 مليار أوقية.
بعد فسخ العقد بدأت أزمة الأوساخ في العاصمة نواكشوط تظهر وتطفو أكثر على السطح وتثير استياء المواطنين،ففرق التنظيف التي تعمل لصالح المجموعة الحضرية تفتقر لأبسط الخبرات في تجميع النفايات وتأمينها بشكل صحي لا يضر المواطنين وحتى أن عددهم غير كافي لتغطية نواكشوط،،وقضة قرية تيفريت ليست سوى تجلي من تجليات عدم احترافية عناصر المجموعة الحضرية،حيث يقومون برمي النفايات السامة بشكل عشوائي في مكب في الهواء الطلق قرب القرية من دون اتباع أي من أجراءت السلامة،وكانت  الشركة الفرنسية قد أغلقت معملاً لمعالجة النفايات يقع بقرب القرية كانت تستخدمه للحد من خطورة تجميع كميات كبيرة منها،ومن خلال مشاهداتي البسيطة في العاصمة،لاحظت أن شحانات المجموعة الحضرية مفتوحة وغير مؤمنة و تتساقط منها النفايات على الطرقات في مشهد عبثي يبعث على الغثيان والاشمئزاز ذكرني بطريقة تجمع أطفال العربات للنفايات.ومن أخطر مظاهر التسيب الملاحظ في قضية التعامل مع النفايات هي قصة رمي نفايات مستشفى الانكلوجيا في الشارع  الموازي له و طريقة التعامل البدائي معها من قبل عناصر المجموعة الحضرية وهو مايظهر استهتاراً بأرواح المواطنين.
هنا لا أدافع عن الشركة الفرنسية فهي أيضا لها سلبيات ولم تكن تغطي كل العاصمة-مثلا لم أجدها يوما في الحي الذي أسكن- ولم تقضى على أزمة الأوساخ رغم الفترة التي قضت في الاشراف على العملية،لكنها لا تقارن بارتجالية المجموعة الحضرية واستهتارها بأرواح المواطنين الذين يتعرضون اليوم لاجتاح مقلق للنفايات.

 

التدوين هو التفكير من خارج الصندوق

images

بدأت قصتي  مع التدوين في سنة 2006 عبر مدونتي (يا عرب ) على موقع  مكتوب وذلك بعد إعجابي بالحراك  التدويني المصري الذي بدأت إرهاصاته في 2004 .حيث خلق المدونون المصريون حالة رائعة من الرفض والاحتجاج الالكتروني خاصة ضد مشروع التوريث .فقد كنت أراقب مايكت المدونين المصريين من أمثال  وائل عباس عبر مدونته الوعي المصري وكذلك مدونة منال وعلاء وازداد إعجاب بهم حين أصبحوا قوة مؤثرة وفرضوا على النظام المصري رفع سقف الحرية وعدم اهتمامهم لما يتعرضون له من إعتقالات ومواصلتهم لكشف فساد نظام مبارك.حينها تأكدت أن التدوين هو مفتاح التغيير في العالم العربي وأننا في موريتانيا بحاجة له أكثر من أي بقعة أخرى  فزمن الصحافة التقليدية النمطية قد ولى وقد تفاجأة في بداية بالتفاعل مع مدونتي وحجم زيارتها وإقبال الموريتانيين على هذا العالم الجديد الجميل ،واليوم سأكتب عنه في محاولة لتوضيح بعض المفاهيم وعرض مفهومي للتدوين .

المدونة والتدوينة والتغريدة:

بعد الربيع العربي أصبح التدوين أكثر شهرة كذلك المدونيين لكن مازال هناك خلط ولبس في هذا العالم  فكل من يشخبط على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك ” أصبح ينادى بالمدون حتى إن لم يكن يفقه شي في هذا العالم .لاحظت أيضا أن العاملين في قطاع الصحافة في موريتانيا لا يفرقون بين التدوينة والتغريدة ،وهنا سأشارككم بعض التعريفات للمدونة وللتدوين .وسأحاول توضيح  الفرق بين التغريدة والتدوينة. فعن ماهية المدونة كتبت شيماء إسماعيل عباس إسماعيل الباحثة في قسم المكتبات والوثائق والمعلومات، كلية الآداب – جامعة القاهرة وذالك في دراسة لها عن المدونات المصرية  نشرت في دورية
journal.cybrarians”

:
تستخدم كلمة ” مدونة ” العربية كمقابل للكلمة الإنجليزية(blog) وهي اختصار لكلمتيWeb log والتي تعني سجل الشبكة[3] “وقد اشتقت الكلمة من فعل دون، تدوين، مدونة ليصبح اسم الفاعل منها مدون”[4]، وهناك العديد من التسميات التي استخدمت كمقابل لكلمة (blog) منها: البلوجز، البلوغز، المذاكرات الإلكترونية، المدونات الشخصية، يوميات الإنترنت، السجل الشخصي، المعارضة الإلكترونية، الصحافة الإلكترونية .. وغيرها الكثير من التعريبات التي وردت في كتابات المؤلفين العرب عن المدونات الإلكترونية، إلا أن “مدونة” هو التعريب الأكثر قبولاً وانتشاراً واستخداماً لهذه الكلمة حتى الآن[5].    ذلك عن الدلالة اللغوية للكلمة فإذا ما انتقلنا إلى الدلالة الاصطلاحية – كما تعرضها قواميس المصطلحات- نجد أنمصطلح بلوج(blog)  تم إدخاله لأول مرة إلي معجم أكسفورد في طبعة مارس  2003، كما دخلت كلمة “blog” إلي قاموس ويبستر”Merriam-Webster Online Dictionary,” عام [6]2004، والذي يذكر أن المدونة (blog) “عبارة عن موقع ويب يتم تحديثه بصفة مستمرة يشتمل على مداخل أو تدوينات مؤرخة ومرتبة ترتيباً زمنياً بداية بالأحدث”[7]،ويعرف المدونون bloggers)) على أنهم “الأشخاص الذين يكتبون المدونات وبرامج التدوين”[8]، ويشير لعالم المدونات(blogosphere) بـ”المجتمع المترابط لكل من المدونات والمدونين المتاحة على الإنترنت في كل أجزاء العالم”[9

قدمت كذلك تعريفا للتدوينة :

“التدوينة” التعريب لكلمة”post”، وهي “المادة أو الإسهام الواحد في المدونة والتي يمكن أن تكون رسالة أو أخبار أو صورة أو رابط، وعادة ما تكون مادة قصيرة تتضمن الروابط الخارجية وتمكن الزوار من التعليق عليها”.

الفرق بين التغريدة والتدوينة :

كما أسلفت يوجد خلط كبير في موريتانيا بين التدوين والتغريد وهما مختلفتان فالتغريدة لا تتعدى 140التي يسمح بها موقع “تويتر” وتقتصر عادة على الانطباعات أو نقل حدث بسرعة  أو نشر روابط لأخبار عاجلة أو مقالات مهمة بحيث لاتمكن من تقديم تحليل متكامل لموضوع ما أو تقديم تحقيق مشفوع بمعلومات ومعطيات .أما التدوينة فتكون أكثر تفصيلا حيث تتطلب البحث عن المعلومة كذلك تحليلها من أجل تكوين رؤية متكاملة ويمكن القول أن التغريدة هي أداة ترويجية للتدوينة مثلا بوضع ربطها على موقع تويتر للانتشار السريع .

التدوين والتفكير من خارج الصندوق :

عادة من يلجؤون للتدوين هم أناس يفكرون من خارج الصندوق ويكرهون الإطارات التقليدية وسياسة مقص الرقيب …هم بشر يبحثون عن الحرية في الكتابة والإنتماء فالتدوين هو تغريد خارج السرب فالكل يعبر عن رأيه بالطريقة التي يشاء، من دون قواعد قمعية وذلك مايجعل أي محاولة لحصر المدونيين في قالب معين سواء كان إتحاد أو رابطة قصدها تأطيرهم تبوء بالفشل فهو عالم غير قابل للعيش في ظل الأنماط التقليدية  ،وهنا سأسرد لكم  تجربتي في محاولة إنشاء اتحاد للمدونيين الموريتانيين :

في عام 2008 لبيت دعوة لاحد المدونيين الموريتانيين البارزين لحضور جلسة تأسيسة لاتحاد المدونيين الموريتانيين …حضرت لكي أتعرف على من كنت أقرأ لهم من المدونين وربط صلات على أرض الواقع مع من يتقاسمون معي شغف التدوين وحضر هذا الأجتماع  قرابة 15 مدون  وفي نفس الجلسة انتخب مكتب تنفذي  مؤقت من دون أن نعمق نقاشاتنا واكتشفت لاحقا أن المكتب لم يكن فيه من المدونيين النشطين سوى أثنين، وبعد   الاجتماع واعلان الاتحاد لم يجتمع ذلك المكتب الذي كلف بوضع نظام داخليا وأساسيا الا مرات قليلة ومرت الأشهر وفقد الإتصال بين أعضائه وماتت الفكرة …ماتت لانها لم تكن في محالها ولم تدرس جيدا وكانت إرتجالية  وبعض من حضروها لم يكونوا على معرفة بعالم التدوين ،ذلك العالم الذي كان مجهولا في موريتانيا في  تلك الفترة .

حدث نفس الشيء  مع اتحادات التدوين في الوطن العربي التي أعلن عنها فلم يكن لها أي تأثير وهذا ماكتبه عنه  سامي بن غربية  أحد أيقونات التدوين العربي :

“محاولة التكلم باسم المدونين و السعي لإنشاء إتحادات “رسمية” أو شبه تجمعهم أو تمثلهم ليست بجديدة و قد بائت أغلبها بالفشل لتعارضها الشديد مع روح و خاصية التدوين التي ترفض العقلية المؤسساتية و البيروقراطية التي يسعى البعض، بحسن أو بسوء نية، لفرضها على المدونات العربية. و لا أذكر أنني سمعت يوما بوجود مثل هذه المبادرات خارج العالم العربي الذي يبدو و كأنه فـُطم على أنشاء الإتحادات الفاشلة على شاكلة الجامعة العربية و اتحاد المغرب العربي و غيرها من آليات “التأطير”. و كنا قد تابعنا كيف حاول المجتمع الرسمي للمدونين السعوديين ( أوكساب ) الإلتفاف على التدوين السعودي عبر أهداف تتراوح بين “نشـر وتطوير ثقافة التدوين، و رعاية شؤون المدونين” و بين ” تأطير الكتابة في المدونات ضمن إطـار الشريعة الإسلامية و العادات و التقاليد الصحيحة ” ثم كيف ووجهت هذه المبادرة بالرفض من قبل فؤاد الفرحان و زملاءه أحمد العمران و غيرهم من الذين رفضوا الإنزواء تحت لواء “المجتمع الرسمي للمدونين السعوديين”.فقد تهالت علينا أنباء إنشاء إتحاد للمدونين العرب و اتحادات فرعية في كل من المغرب و اليمن و لجان خاصة بالعضوية و التنظيم و أخرى خاصة بالإعلان و لجنة الدراسات والمشاريع و لجنة الفروع القطرية و هيئة إشراف على انتخابات الهيئة الادارية و هياكل تذكرنا بالبيرقراطية العربية العقيمة”.

خلاصة القول أن التدوين عالم حر وجذاب لكن يحرق كل من يحاول أن يجعل منه مصعدا إلى المصالح الشخصية أو البحث عن النجومية .كذلك أنه في موريتانيا مازال مجهولا لدى الكثيرين ويتعرض هذه الأيام إلى تشويه ومايحتاجه هو محاولة لتصحيح فهم الجمهور له أكثر من إتحادات لاتتناسب مع روحه   .

ملتقى المدونين العرب : في انتظار رحلة العودة

مع الرابير المغربي معاذ الحاقد المعتقل الاَن
مع الرابير المغربي معاذ الحاقد المعتقل الاَن

‫لملمتُ أشيائي، وأنتظر الآن الحافلة التي ستوصلني إلى مطار علياء الدولي من أجل العودة إلى نواكشوط، تلك الرحلة الطويلة المتعبة. وبدأ شريط ذكريات ملتقى المدونين العرب يسيطر على ذهني. سأحاول أن أشارككم بعضها معي الآن بدون ترتيب كما فعلت في التدوينتين السابقتين عن اليوم الأول والثاني لأن أفكاري الاَن مبعثرة بين عمان ونواكشوط، بين لهفتي للرجوع للرفاق وحزني على ترك من تقاسمت معهم أجل اللحظات.

الجلسة الختامية لمؤتمر المدونين العرب

بعد ثلاثة أيام مغلقة على المدونين كانت غزيرة بورش العمل المفيدة والنقاشات البناءة، تم اليوم اختتام ملتقى المدونين العرب بجلسة مفتوحة للصحافة للمهتمين بالمؤتمر. ونظمت خلال هذه الجلسة العديد من الحلقات النقاشية، حيث قام بعض المدونين المخضرمين بمناقشة واقع التدوين العربي وتحدياته، منهم ناصر ودادي من موريتانيا ومحمد الجوهري من مصر ومالك الخضراوي من تونس وأدارت الجلسة المدونة السورية ليلى نشواتي.

بعد ذلك نظمت مناظرة بعنوان “الرقابة لم تعد تهم؛ المراقبة على الانترنت هي المشكل الآن” وكان المدون المصري أحمد غربية مع الفكرة والناشط اليمني وليد السقاف يمثل الجناح المضاد.

ونظمت بعد ذلك جلسة تحمل عنوان “فنانو الثورة، الثقافة المضادة” وتحدث فيها الفنان اليمني أحمد عسيري والمدونة السورية ليلى نشواتي بالإضافة إلى رضا زين من المغرب، قدم خلالها كذلك مغني الراب المغرب معاذ المعروف بالحاقد أغنيته التي سجن بسببها في المغرب. لتبدأ جلسة أخرى تحت عنوان “رياح النشاط الرقمي المتحولة” أدارها الصحفي اللبناني أنطون عيسي وتحدث فيها كل من المدون اللبناني بطاح، الصحفية المستقلة عبير قبطي، Oximity.com تولين دالوجلو، المونيتور،بعد انتهاءها انتقل النقاش إلى موضوع تحت عنوان حوكمة الانترنت : هل تهم فعلا في العالم العربي ؟ تحدث فيها كل من محمد نجم، موقع سمكس وفاء بن حسين فهد بطاينة، منظمة الايكان ICANN عابد شملاوي، الجمعية الاردنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

واختتمت الجلسات مع نقاش تحت عنوان ناشط -صحفي والتي تحدث فيها كلن من أسماء الغول، المونيتور لينا عطا الله، مدى مصر لينا عجيلات من الأردن عفاف عبروقي من الأصوات العالمية.

حفلة حبر

بعد انتهاء أعمال الملتقى انتقلنا الى مقر مجموعة حبر وكان الفلكلور الأردني ينتظر قدومنا ليقدم نفسه ملهما وباعثا للحياة، فرقصة الدبكة أخذتنا بألقها وألهمتنا وفرضت على الجميع التفاعل مع حركاتها وبعد ذلك قدم لنا مجموعة من المبدعين الأردنين عرضا كوميديا ساخر وساحر تحت عنوان الباشا،لنحلق بعد ذلك مع مغني الراب الأردني طارق أبو كويك المعروف بالفرعي …فقد سافرت بنا كلمات أغانيه إلى كل أقطار عالمنا العربي وشخصت لنا سبب خيبتنا أكدت وجهة نظرنا في أنظمتنا فكان صوت المطحونين والغاضبين والثائر المخلص وانتهت الحفلة بلحظات الوداع وعناق الفراق الذي أكره.

عرض عن موريتانيا

قمت بتقديم عرض عن الوضع في موريتانيا وذلك أثناء حلقة نقاشية أدرتها مع المدون والناشط الحقوقي البحريني محمد المسقطى وكانت تحت عنوان “دول خارج نطاق التغطية (موريتانيا والبحرين كنموذج ) وكان ذلك باليوم الثالث من أيام ملتقى المدونين العرب.حيث اكتشفت كالعادة أن العرب ليس لديهم إي المام بمايحدث في موريتانيا،وخلال هذه الحلقة النقاشية خرجنا بمقترح وهو أن نحاول خلق تشبيك بين المدونين العرب من أجل التعاضد في القضايا وكذلك التدوين شهريا عن إحدى القضايا الملحة في أحد البلدان العربية.

لامكان في عمان للمدون السوري جواد شربجي

للأسف لكل الأمور وجهان، واحد يبعث على الأمل، وآخر يحبط ويزعج لحد الغليان. وهذا ماحدث في ملتقى المدونين العرب في عمان. فقصة منع المدون والناشط السوري جواد شربجي من دخول عمان هي الوجه التعيس للملتقى…فقد أحزتني الحروف التي أرسل لنا عن منعه حيث قال:

“مرحبًا يا أصدقاء

أنا الآن في بيروت عائدًا، بعد تجربة مميزة قضيتها لمدة 7 ساعات في معتقل الملكة عليا الدولي، لم أر خلالها سوى الصحراء وبعض رجال الأمن من أصحاب النفسيات المريضة.. سعدت حقًا بتلك التجربة، تعرفت خلالها على العديد من السوريين القادمين من بلاد مختلفة، والذين ينتظرون نداءً يخرجهم من تلك الغرفة، ذكرتني تلك الساعات بأيام البهدلة في الخدمة العسكرية 🙂

الآن أنا حزين جدًا إذ لم استطع الاجتماع بكم، لقد كنت أتابع معظم الرسائل والنقاشات التحضيرية، وكنت متحمسًا للجلوس إليكم وتبادل الحديث والخبرات.. لكن الله أراد غير ذلك..”

إلى اللقاء يا عمان… سأشتاق لكم أيها المدونون الرائعون

غرق نواكشوط

صورة لتأثير الأمطار على مدينة نواكشوط العام الماضي
صورة لتأثير الأمطار على مدينة نواكشوط العام الماضي

التقارير والدراسات التي تفيد بأن أيقونة العواصم العشوائية في العالم نواكشوط مهددة بالغرق في ظرف عشر سنوات تسبب الأرق والهلع بين الذين ابتلاهم الله بسكنها والارتباط بها .

خاصة أن بوادر غمر مياه المحيط لهذه المدينة الشيطانية بدأت تتجلى فالمياه أصبحت تخرج من باطن الأرض في  بعض مقاطعات المدينة…أصبحت تخنق حياة الناس وتجعلهم يهاجرون إلى أماكن أخرى في انتظار الغرق الأكبر…حيث ستنطلق مياه المحيط  الأطلسي في رحلة غدر لتغرق نواكشوط وتتجاوزه إلى الكلم 150 شرقا حسب رأي الدكتور زغلول النجار وخبراء دوليين  .

لكن ليس غمر المياه هو ما يهدد مدينة نواكشوط  فقط… بل  هناك طوفان وفيضان اَخر يهددها وهو الظلم والقهر …طوفان أخطر وأكثر بشاعة وفتكا …طوفان مليء بالمآسي …مائه حارق وماحق .

ففي مدينة الأشباح  نواكشوط لاتخلوا نقطة مرور من ذلك الطفل الوديع المتهرئ الثياب ذا العيون الذابلة التي تحكي ظلم أهل المدينة وهو يحمل خردة علبة طماطم يستجدي عطف الناس لكي يعطوه ما تيسر من نقود  لا لنفسه بل لذلك الشيخ الظالم الذي أرسله ليقتات من بؤسه ولا يخلوا مراَب لإصلاح السيارات من ذالك الطفل الذي تورمت خدوده بسبب صفعات صاحب المراَب و تأكسدت قريحته من كثرة الشتائم التي يتلقى .

أيضا كلما خطت قدماك في هذه المدينة صادفت ذلك الطفل الغاضب بالفطرة المحروم من التعليم  وهو على ظهر عربة لنقل أوساخ أهل المدينة …تلك الأوساخ التي تحوى دائما ما يحتاجه ذالك الطفل ليكمل نهاره من طعام وكلما كنت أكثر حبا للاستكشاف لابد أن تجد تلك المنطقة التي يعيش سكانها في صراع مع الطبيعة والدولة والحظ العاثر …

تلك المنطقة المسماة “الكزرة ” حيث يعيش أغلب فقراء هذه المدينة حيث تحكي قصة الهجرة من مدن الداخل إلى نواكشوط بعد الجفاف الذي ضرب أجزاء واسعة من البلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، وذلك بعد أن فقد السكان مصادر الحياة الأساسية في بواديهم  .

حيث يعيش سكانها في انتظار اليوم الذي يمتلكون فيه قطعة أرض ومسكن يقيهم حر المدينة وغبارها …مسكن يحميهم من كلاب المدينة الضالة يحفظ كرامتهم وآدميتهم .

ينتظرون اليوم الذي يشربون فيه الماء من الحنفية بعد أن قضوا حياتهم يطاردون ذلك الحمار الذي يقدم لهم السقاية…ينتظرون ذاك الماء الملوث المسبب لشتى أنواع السقم … يعيشون على أمل أن يناموا يوما واحدا وهم لا يفكرون كيف سيسكتون جوع أطفالهم وكلما اقتربت من أكواخ  وبيوت الأحياء العشوائية لفحتك نار غصاة وأنفاس المطحونين القاطنين فيها وفي هذه المدينة الظالم أهلها على الفقير أن يقدم الرشوة وينعق النعال لكي يحصل على حقه وفي كثير من الأحايين لا تنفعه لا رشوة ولا تملق في أخذ ذالك الحق وفي مدينة الأشباح تشهد الشوارع على قمع كل من يفكر في الاحتجاج على ظلم أباطرتها للمسحوقين…

ففي مدينة نواكشوط على الفقير أن يظل ساكت على الظلم حتى يترك يتنفس الهواء .

كل هذه المظاهر تنذر بغرق المدينة في طوفان من الدم والإجرام فأطفالها هم مجرمي و حاقدي الغد فقد حرم أغلبهم من التعليم فالأطفال يمثلون ربع العمال .

وفقرائها لابد أن يضيقوا ذرعا من الظلم وينتفضوا ويقتلوا الخوف فيهم ويسحقوا من يظلمهم …لابد أن يثأروا لسنينهم  التي ضاعت في مهب الريح بسبب الظلم … تلك الانتفاضة التي إن تأخرت ولم يكن للنخبة فيها دور قد تكون دامية تفضى إلى غرق المدينة في نهر من الغل  .

يبدوا أن غرق  المدينة  أمر حتمى وأنه عقاب على تأسيسها على أساس خاطئ بداية من اختيار الرعيل الأول لموقعها عام 1957. حيث كان الموقع في منطقة صحراوية منخفضة تطل على المحيط الأطلسي ،ونهج حكامها في ما  بعد نهج الفساد وطحن السكان وتوسيع دائرة المسحوقين  فيها .

لكن لو واصلت النخب نضالها و كانت على  قدر اللحظة  التاريخية قد تنجح في  أن تنقذ  على الأقل سكانها من الغرق في دماء الحقد بثورة سلمية تأسس لحياة أفضل ومدينة أجمل .

ماديبا الانسان

مشاركتي في تأبين لمانديلا نظم في نواكشوط أيام وفاته
مشاركتي في تأبين لمانديلا نظم في نواكشوط أيام وفاته

من وسط غبار الطغيان والعنصرية والكراهية واحتقار الانسان وغيوم أسطورة تفوق الرجل الأبيض ودونية الأسود وسيطرت الخرافة والجهل…خرج ذلك المارد الأسود وأعلن ثورته على الظلم و التمييز العنصري…تقلبت أحواله و أفكاره من اليمين إلى اليسار وصقلته التجارب حتى أصبح انساناً يسمو فوق العرق واللون والدين…تخلص من فكرته المسبقة عن بعض التوجهات الفكرية فقد كان ينظر بالريبة للشيوعيين ويعتبر فكرهم غريبا على بلده الإفريقي و لكن بعد احتكاكه بهم ونقاشه معهم أصبح معجباً بطرح كارل ماركس و فريدريك أنجلز و رافقهم و دعموا نضاله واحتضنوه داخلياُ وخارجياً…عارض اتفاقية الدفاع عن حرية التعبير في جوهانسبرغ التي اطلقت سنة 1950 المكونة من نشطاء أفارقة وهنود وشيوعيين و التي دعت إلى إضراب عام ضد نظام الفصل العنصري و السبب أن المبادرة ليست بقيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لكن بعد دراسته للتجربة عرف أنه أخطاً ولم يكابر و وضع يده بعد ذلك في يد نشطائها واَمن بضرورة العمل مع الجميع وأممية الإنسان وضرورة الاعتراف بالتنوع والاَخر…ناضل سلمياً سنين عديدة وحين تبين له أن الكفاح المسلح أصبح ضروريا وأن الوقوف في وجه عنف الدولة العنصرية يتطلب السلاح واستخدام القوة شارك عام 1961 في تأسيس حركة مسلحة تحمل اسم «اومكونتو وي سيزوي» (“رمح الأمة”، يختصر MK)…رفض أن يساوم على نضال شعبه وكان صوته الصادق و رسوله إلى العالم وأقنع نضاله البشر في أرجاء المعمورة…لم يفكر يوما في مصلحة ذاتية وصبر على السجن والعذاب سنين عديدة واَمن بطول النفس في النضال،و لم يترك للاحباط فرصة ليتسلل إلى خلجات نفسه الثائرة، فقد قال في كتابه (مسيرة طويلة نحو طريق الحرية):

“لم يدر في خلدي قط أنني لن أخرج من السجن يوماً من الأيام،وكنت أعلم أنه سيجئ اليوم الذي أسير فيه رجلاً حراً تحت أشعة الشمس والعشب تحت قدمي ؛ فإنني أصلاً إنسان متفائل، وجزء من هذا التفاؤل أن يُبقى الإنسان جزءاً من رأسه في اتجاه الشمس وأن يحرك قدميه إلى الأمام . وكانت هناك لحظات عديدة مظلمة اختبرت فيها ثقتي بالإنسان بقوة ولكنني لم أترك نفسي لليأس أبداً . فقد كان ذلك يعني الهزيمة والموت”.

تعلم من تجاربه وقيمها و لم يكن يتعصب للفكرة ولا للرأي فحين تقنعه بفكرة  كان يسير خلفها ويعمل من أجل نجاحها.
وحين تبين له أن هناك أمل في أن تقوم مصالحة وطنية في وطنه لم يتعصب و لم ينتصر لنفسه وكان صوت الحكمة والتضحية، لم يحاول الانتقام بل كان مثالاً للانسان المتسامي صاحب النظرة المستقبلية و لم يجر أحقاد الماضي لطاولة الحوار،و لم يسمح لها بالدخول في تفاصيل الجلسات.
وحين خول له نضاله الوصول إلى الكرسي و حكم وطنه لم يتجبر ولم يغتر وحاول أن يمثل حكمه نموذجا للتعايش والتشارك في الوطن،ولم يحاول أن يمكث في الحكم ولا استغلال تاريخه وعاطفة شعبه نحوه وترك للأجيال القادمة الفرصة في الحكم وذهب من بعد فترة رئاسية واحدة .
وحتى في هرمه وشدة وطأت المرض عليه وخروجه من إطار ودائرة السلطة لم يترك خدمة الشعب فقد ظل مواطناً مبادرا من أجل شعبه و دأب على مساعدة الفقراء والمرضى فيه و كل من يحتاج للعطف والحنان.
حاول قدر المستطاع أن ينقل قيم تجربته النضالية إلى أصقاع الأرض و أن يدعم الشعوب التي ترزح تحت نير الاستعمار والطغيان،فقد كان داعما شرسا لنضال الشعب الفلسطيني وصوتا من أصوات الشعوب التواقة للحرية في قارته السمراء المثقلة بالجراح والماَسي …
إنه روليهلاهلا ماديبا أو” نيلسون مانيدلا” أيقونة النضال من أجل كرامة الإنسان في جنوب إفريقيا والعالم ،ذلك الرجل الذي تبكيه البشرية اليوم لا لماله ولا لسطوته، إنما لكونه اختار أن يكون انسانا فقط.

مصادر :
ويكيبيديا
كتاب :مسيرة طويلة نحو طريق الحرية