أرشيفات التصنيف: غير مصنف

لقطات من تونِس البهية

20150527_184848

هناك وجوه فاتنة جاذبيتها تؤنس ولا تزيد المساحيق التجميلة ألقها وسحرها، أخاذة عند الاستيقاظ من الأحلام والكوابيس وفي الغفوة، وهاجة في كل الانفعلات، تختزل جوهر الجمال، تونس هكذا، جميلة ببذخ، رائقة في الصباح والمساء ملهمة في الليل، تماما كما أتصور جمال ملكة قرطاج عليسة( أليسار)، هذا ما تسلل إلى ذائقتي ذات لقاء حميمي. فقد أبهرتني البساطة الفخمة في سيدي بو سعيد وحالة التوهج والتناسق الماتع بين الأبنية البيضاء والأبواب الزرقاء، فقد حلقت  روحي نحو النقاء والتصوف في الجمال وأنا  أسير في أزقتها، كان ذلك في رحلتى نحو القهوة العالية لخطف لحظات بقرب السحاب والتأمل في البحر البهي، تونس جميلة بكل تفاصيلها وملامحها، خضراء ومنطلقة بحق، فالتحرر في شارع بورقيبة، يثير الإعجاب، و أحاديث الأصدقاء عن الثورة على الطغيان تحث على التشبث بإماطة شرذمة الحكام الفاسدين( رغم ما تكتنز تلك الأحاديث من حسرة على عدم الانتقالبعد إلى مرحلة الانجاز وبعض التأسي على الواقع الاقتصادي والأمني، وعودة بعض رموز الفساد للمشهد العام). الشارع يختصر الحاضر والماضي الثورة والبناء، العصرية والتراث، يعبر بجلاء عن التحرر من كل القيود البالية، فنور التحرر ينبعث مع حركات البشر وأنفاسهم ونظراتهم، وفي شارع بورقيبة ينتصب عبد الرحمن ابن خلدون واقفا ليشهد على إبداع المواطن التونسي وتقديره له، ويتمتع بجمال المكان ويستمتع بنور النساء العاملات المتحررات والشباب الثائر، يراقب عن كثب تجربة ذلك الشعب المهيب، وعبر باب البحر ولجت إلى عوالم جميلة من تاريخ تونس الثري، ذلك الباب المشيد في عهد الأغالبة، لأغوص في الفن التونسي والمشغولات والقهاوي الشعبية، طبعا من دون نسيان أخذ لحظات في جامع الزيتونة، الصرح المبهر الموغل في العراقة والمميز بعمارته الملهمة وإشعاعه العلمي الريادي.

IMG_20150525_211902

هذه هي تونس التي رأيت، حالة ومكان وشعب  تتجسد فيهم المدنية بإبداع وتتناعم برحابة،  جدارية رسمها فنان متفرد  لحظة إلهام خاص، واليوم سمعت أن بعض مجانين التطرف الهائمين في” مذهب القتل”، قرروا إرهاق ذلك الجمال المتوقد، وتشويه تلك الخلطة بزرع الرعب في النفوس، بزهق أرواح المواطنين والمستمتعين بتفاصيلها الاستثنائية، وهو ما هالني وقض مضجعي، لكن،  أن ملامح تونس قادرة على الدفاع عن نفسها، والآن، دعونا نغني معا لتونس الخضراء فلا يليق بها الحزن ولا الشحوب. 

 

سيبو:رحلة جد ومرح

صورة لبرلمان مدينة سيبو
صورة لبرلمان مدينة سيبو

كانت الصورة المطبوعة في مخيلتي حول الفلبين تتلخص في كونها دولة اَسوية استوائية تملك شواطئ جميلة،دولة تعاني الفقر ومخلفات سنوات عديدة من الدكتاتورية والفساد،لذلك لم أفكر في أي لحظة في زيارتها، فالأماكن الجميلة في العالم كثيرة وأقرب من الفلبين،لكن،بدأت تلك النظرة تتغير وذلك مع قراءتي لرواية( ساق البامبو) للكاتب الكويتي سعود السنعوسي وما حوته من سرد جميل لحياة الناس وللتاريخ وللفن أيضا،فقد غمرتني تفاصيل الراوية وأحداثها بحالة جميلة من الشغف بتلك البلاد وجعلتني أتوق لعيش لحظات فيها.

جعلتني الرواية أتعلق بالتعرف على بعض الأغاني والقصص التاريخية والقادة مثل “ريزال” والقائد“لابو_ لابو”، وبالطبع  التعرف على البامبو وساقه وخوسيه ميندوزا ووالدته وبنت خالته وخالته وجده(أظني قابلت الأخير).

لمحة تاريخية سريعة

للفلبين تاريخ عريق يجعلها من البلدان المتفردة في منقطتها،فقد تأثرت بعدة ثقافات وحضارات،مثل الاسلامية والمسيحية الاسبانية والأمريكية واليابانية،فالفلبين مكان لتلاقح عدة أفكار وأجناس،فقد وجد الإسلام و المسلمين حسب بعض الروايات طريقهم إلى الفلبين في 883م،وذلك عن طريق بعض الدعاة وانتشر فيما بعد عن طريق التجار،وكانت لرحلة الرحالة البرتغالي ماجلان(1519 و 1521)بالغ التأثير في تاريخ الفلبين،فقد قام الملك  الإسباني شارل الخامس، بالطلب من ماجلان بالبحث عن طريق تجاري آخر إلى آسيا عبر الغرب.لتبدأ بعد ذلك رحلة الاستعمار الإسباني للفلبين والذي دام أكثر من 300 سنة رغم مقتل الرحالة ماجلان  أثناء رحلته في مدينة ماكتان على يد الزعيم لابو لابو،وقد ترسخت في تلك الفترة الكاتلوكية بالدولة لتصبح  الفلبين وتيمور الشرقية استثناء في المنطقة،نعم الشعب في الفلبين بالاستقلال عن إسبانيا في سنة 1898وذلك بعد ثورة ضد الاحتلال الإسباني  وأعلن عن الجمهورية الفلبينية،لكن ذلك كان لفترة وجيزة،فقد رجع الشعب تحت نير استعمار جديد،وسقطت الفلبين في يد أمريكا في خضم ما يعرف بالحرب الأمريكية الاسبانية، لتستقل عام 1946،ذلك الاستعمار الذي أسس لانتشار اللغة الانجليزية في الفلبين.

نواكشوط -سيبو:

انطلقت نحو مدينة سيبو الفلبينية فجر التاسع عشر من يناير وذلك تلبية لدعوة موقع الأصوات العالمية،لحضور قمة الأصوات العالمية لإعلام المواطن للعام 2015،المتزامنة مع مرور عشر سنوات لتأسيس تلك المنصة الرائدة،حيث خضت غمار رحلة مضنية،تزيد على عشرين ساعة من التحليق في الجو،فقد كان علي أن أقضى ثلاثة ساعات بين مدينة نواكشوط والدار البيضاء وتسع ساعات بين دبي والدار البيضاء وثمان ساعات بين مانيلا ومدينة دبي وأكثر من ساعة بين مدينة مانيلا ووجهتي الأخيرة مدينة سيبو ملكة الجنوب الفلبيني.
وصلت لمطار مدينة سيبو على أنغام الموسيقي المحلية،فقد كانت إحدى الفرق المحلية تنتظر المشاركين في القمة لتقاسمهم جمال الموسيقي المحلية،فرحا وطربا بقدومهم لمدينتهم الحاضنة،وهو أمر بعث في مزيد من الشغف لخوض التجربة الفلبينية.وكان علي خوض تجربة قطع جسر مكتان لأصل للفندق فالمطار يقع في جزيرة أخرى غير سيبو.

جسر مكتان
جسر مكتان

وصلت للفندق في الساعة التاسعة،من يوم 20 يناير،وكان السرير يناديني بكل ود رغم تفكيري في الانطلاق في المدينة رغم التعب، إلا أن السرير انتصر في الأخير،فقد كان أكثر إقناعا ففي الصباح الموالي تبدأ ورش وجلسات قمة الأصوات العالمية.
نشاطات من قمة الأصوات العالمية
بدأت في 21 من يناير جلسات وورش قمة الأصوات العالمية المغلقة على مجتمع الأصوت العالمية والتي تمتد لثلاثة أيام،اختصرت تلك الجلسات قصص العالم فقد كان المشاركين فيها يعبرون عن فيسفسائية الأصوات العالمية،فقد مثل التواجد خريطة العالم،من قرغيزستان وتركمانستنا حتى مدغشقر وميانمار والمكسيس ولبنان وطبعا موريتانيا وفرنسا،وكانت فرصة للتعرف على قصص المساهمين في الأصوات العالمين ومشاريع ذلك المجتمع الثري.

حضرت عدة ورش في الأيام الثلاثة الأولى، مثل ورشة ” كيفية الكتابة في البيئات المعرضة للخطر”.والتي كانت تديرها محررة الشرق الأوسط في الأصوات العالمية،وقد كانت فرصة بالنسبة لي للتعرف على التابوهات الموجودة بعض البلدان البعيدة،ففي بنجلاديش مثلا:عرض الحياة الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي ومقاسمة صورة شرب البيرة مثلا قد يتسبب في الضرر، وفي كلومبيا تعد الكتابة حول اتصالات الحكومة مع رجال الأعمال المخدرات أهم مصادر المشاكل وفي بلدان وسط اَسيا ليس أمامك سوى الحديث بايجابية عن جوانب الحياة والغذاء والثقافة فغير ذلك تابوهات خطيرة.وقد خرجت الورشة بمجموعة من المقترحات لحماية المدونين في البيئات الخطيرة،مثل:

استخدام  الحيل الذكية،مثل:

-الأسماء المستعارة، والتشفير، إخفاء الهوية،،استخدام الاستعارات والرموز والسخرية والفكاهة،عدم استخدام الصور الحقيقية.

– استخدام تطبيقات آمنة وموثوقة على الهواتف الذكية و استخدام المتصفحات الآمنة وأدوات الحماية مثلTOR، HTTPS

– الحذر من الحديث عن نشاطك للغرباء.

-التأكد من عدم ترك بصماتك

-ممارسة درجة معينة من الرقابة الذاتية

-استخدام الفنون للرد على الواقع والقضايا الجذرية

وتضمنت المقترحات تكتيكات أخرى، مثل:

-غسيل المعلومات وإرسالها عن طرق مختلفة غير معلنة ومن خلال اَخرين وتسريبها لوسائل الإعلام

-أهم طرق حماية النفس هي كتابة الأشياء الحقيقية فقط.

خرجت الورشة كذلك بمقترحات للدفاع عن المدونين:

-خلق حملات مكثفة ومستمرة على وسائل الإعلام من أجل رفع مستوى الوعي وايصال الصوت للمجتمع الدولى من أجل الضغط على الحكومات.

– الاتصال بالسياسيين الذين لديهم مواقف داعمة لحرية التعبير،مواصلة العمل من أجل فرض  أن تظل القضية محط اهتمام الصحافة ومدرجة ضمن أجندات الصحف.

-الاتصال بمنظمات حقوق الانسان والمحامين،وتكثيف النشاط  المتضامن حتى تأخذ القضايا الزخم المطلوب ولفت انتباه المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية.

-إطلاق الحملات لسن قوانين تكفل حرية التعبير والتوقف عن الرقابة أو تغيير القوانين التي تقمع ذلك الحق، تعزيز دور المجتمع المدني ورقابة وسائل الإعلام.

ومن بين الأمور اللطيفة التي حضرت لها،عرض حول اللغة المحلية في الفلبين،ومن بين الأمور القليلة التي علقت في ذهني،هي أن سلامات هي شكراً.

شاركت كذلك في ورشة حول الأمان الرقمى مع المدرب سمير نصار،وقد تمحورت حول برمجيةbidgin،وهي برمجية حرة مفتوحة المصدر تسمح للمستخدممن التراسل بشكل مشفر واَمن.

بعد انتهاء الأيام المغلقة من قمة الأصوات العالمية،بدأت في مبنى برلمان مدينة سيبو بالفلبين أنشطة المؤتمر المفتوح الذي حضره العديد من الشخصيات الناشطة في عالم الأنترنت،وقد تميز بوجود معرض لمنتجات وخدمات جوجل،وقد بدأت أنشطة المؤتمر بقيام المساهمين في دفاع الأصوات العالمية، بالإعلان عن بيان تضامني مع النشطاء والمدونين المتعقلين في العالم.

شهدت القمة المفتوحة مجموعة من حلقات النقاش كان بعضها متزامنا وقد تمحورت حول حقوق الانسان على الأنترنت،وطبيعة وكيفية الاحتجاجات التي حدثت في العالم خلال السنة المنصرمة، والحركات المدنية على الإنترنت حول العالم وقدمت خلالها مشاريع من بلدان عدة،ومن بين المشاريع التي لفتت انتباه الحاضرين مشروع يدعم حقوق الفتيات في قرغيزستان،وهو عبارة عن حملة تساعد النساء الشابات لتتحدث عن الحواجز والاضطهاد التي يواجهنه في حياتهن اليومية.المشروع مدعوم طرف مشروع الأصوات المهددة التابع للأصوات العالمية.وعرضت قصص لفتيات من قرغيزستان تعرضن لشتى أنواع الماَسي والكوارث،وكان العرض مؤثراً جدا.
ومن بين الحلقات النقاشية التي حضرت،كانت جلسة بعنوان كيف احتج الناس في 2014،وقد تحدثت  فيها أمير الحسيني من البحرين،ماسا من إيران،ليلي نشواتي من سوريا عن الأوضاع في بلدانهن.

وقد حضرت عرضا عن واقع الانترنت في الفلبين،فقد قدم لنا توني كروز،بعض المعلومات الرائعة عن الأنترنت في بلده،فمثلا،يلج 40 مليون فلبيني إلى الأنترنت من خلال منازلهم،وأكد لنا أن هناك نشاط تدويني مزدهر في كل محافظات الفلبين من مندناو وسيبو ومانيلا،ويتم استخدام الأنترنت في النشاط السياسي وأهم نموذج على ذلك هي الحملات لحماية الأصوات،مثل مشروع يسمى Blogwatch لاستخدام الانترنت لتوثيق وحماية الأصوات وكان ذلك في 2010وتم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الفلبين خارج النطاق السياسي،مثلا تم التفاعل مع الإعصار عبر شبكات التواصل الاجتماعي،ومن أبرز تلك الهاشتقات  #rescuep،ومن المعلومات اللطيفة التي اكتشفت هي أن الفلبين العاصمة العالمية للسيلفي،تجدون هنا مجموعة من التقارير أعدها مشاركون في قمة الأصوات العالمية.

سياحة واستكشاف

منظر من جزيرة أولونغو – Oolongo
منظر من جزيرة أولونغو – Oolongo

رغم ضيق الوقت،كانت لي عدة مصافحات مع مدينة سيبو الدافئة،وكانت أولى خرجاتي بالليل وسط ستر الظلام والهدوء،وكان انطباعي الأولى هو أنها مدينة لطيفة غير مزدحمة،وكانت وجهتي الأولى هي شارع مانغو،حيث تنتشر المطاعم وأماكن التسلية،وأولى ملاحظة بدت لى هي غياب تام للثقافة الشعبية للدولة وسيطرة الثقافة الغربية،فمثلا كل اللافتات مكتوبة بالأحرف اللاتينية(أصلا لغة التاغالو التي هي أصل اللغة الفلبينية تكتب بالأحرف اللاتينة)،ومترجمة أيضا للانجليزية،وكذلك تنوع الأشكال والسحنات في المدينة ولطف الناس،فقد ارتحت للمكان والمدينة،وقد لاحظت تشابها بين حال المدينة والناس وبعض مدن أمريكا اللاتينية(طبعا أنا معلوماتي عن أمريكا اللاتينية مستقات من الإعلام والأدب فقط)،واكتشفت أيضا أن الرجل الإفريقي مقدر جدا في الفلبين(عليكم الاتصال بي بشكل خاص لمعرفة تفاصيل ذلك)،ولاحظت كذلك أنه لا توجد مناطق خاصة بالفقراء وأخرى للأغنياء،فتجد عمارة راقية تزاحم كوخ مهترئ لمواطن فقير في خصام مع قميصه،وهو أمر استنتجت منه أن اليد الرأسمالية لم تبطش كثيراً  بالمدينة بعد، فمازال للفقراء مكان ولم يطردوا خارج المدينة. تجولت في بعض الشوارع الفرعية،وكذلك وقفت عند دوار فونتيه اوسمينيا،وقمت في اليوم الموالي بجولة سياحية في المدينة،كانت هذه المرة في وضح النهار، مررت فيها بعد محطات وقد غلب عليها التاريخ المسيحي لمدينة سيبو،وكذلك جربت ركوب الجيب الفلبيني،وهو أكثر وسائل النقل انتشارا في المدينة،لكن إن كان طولك فوق 160 ستجد صعوبة في التأقلم معه،وبعد انتهاء المؤتمر خضت عباب البحر مع مجموعة من الأصدقاء،حيث ذهبنا إلى جزيرة أولونغو – Oolongo الساحرة،وقبل وصولنا لتلك الجزيرة جربنا السباحة في المحيط الهادئ،وفي الجزيرة كان للاسترخاء مكان مهم في البرنامج رغم أن المطر لم يتوقف عن مغازلتنا منذ بداية رحلتنا إلى الجزيرة حتى وصولنا،فظلت زخات المطر تداعبنا طوال الرحلة.في نهاية التدوينة،يسعدني بعث أكثر التحايا صخبا لكل من قاسمني روح المرح وأذاب الحواجز في الحفل الختامي لقمة الأصوات العالمية.
سلامات

ملاحظات زائر لاسطنبول

صورة من مضيق البوسفور
صورة من مضيق البوسفور
هناك مدن تملك شخصية فريدة تفرض عليك احترامها بل الكتابة عن حالتها،وهناك مدن شاحبة  تتمنى لو يأتي نيزك ليخلص الكوكب من بشاعتها،وهنا سأتحدث عن الصنف الأول،من خلال مدينة إسطنبول التي زرت قبل أيام.تلك المدينة الضخمة الضاربة في جذور العراقة والتاريخ .
إسطنبول بعيوني
DSC_5536
لم أزر كل إسطنبول لأن مدة إقامتي لم تزد عن أيام ستة وحتى ولو طالت للشهر فلن أستطيع أن أزور كل أماكنها، فالمدينة أضخم مما تتصور فهي خلاصة لحضارتين وتماس لقارتين،لكني استطعت خلال فترة إقامتى أن أجد الوقت لعيش بعض اللحظات الاسطنبولية،فقد حلقت مع التاريخ من خلال جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق،المسجد ذو الماَذن الستة والصحن الكبير الجذاب الواقع في ميدان السلطان أحمد،ذلك الميدان الرائع الزاخر بعبق الجمال والفن، حيث يضم التحفة المعمارية المسماة أيا صوفيا،التي بدأت عملية البناء فيها عام 532م بأوامر الإمبراطور جستنيان.  فكانت في الأول كاتدرائية قبل أن تحول إلى مسجد بعد دخول الإسلام إلى القسطينية عام 1453لكنها احتفظت بالرسومات الدالة على المسيحية،لتمر دورة الزمن وتحول إلى متحف في عهد أتاتورك سنة 1934، وتعبر اَية صوفيا بشكل جلي عن حالة التلاقح بين الحضارات التي مرت بمدينة اسطنبول.
وليس ببعيد عن عالم العمارة، خضت تجربة مضيق البوسفور،فقد عشت مع أصدقائي حالة رائعة من التوهج والانبساط وذلك أثناء رحلتنا في المضيق، فقد شاهدنا المدينة من زاوية أخرى أكثر جمالاً وديناميكية،وكانت عبارة عن عرض للأيقونات المعمارية العتيقة في المدينة- مثل القصور العثمانية القديمة-في ظل حالة من العوم والغوض في الجمال لم ينغصها سوى محاولة عائلة عربية فرض توجهها على الجميع و رفض بث أي نوع من الموسيقى أثناء الرحلة البحرية.
وأكثر ما أعجبنى في اسطنبول لم يكن العمارة ولا الطبيعية بل حالة الالتحام والحرية الموجودة في شارع الاستقلال وميدان تقسيم،فقد سررت بالأمواج البشرية المتدفقة في الميدان والشارع والزوار الجالسين على مطاعمه ومقاهيه، فهناك تحدث مناغات الجمال والانطلاق وكسر كل الحدود، فلا سقف للمشاعر والتعبير شفاف حد النزاهة وتصادف الفن بكل صوره الرائعة.وقد حضرت لعزف السماء لأنشودة المطر واحتضان الأرض لها بكل ود وحميمية عكس مايحدث في عاصمتنا الشاحبة التي تكره المطر.
حديث التكاسي.
من الصعوبة بمكان أن تجري حوار مفهوم مع سائقي التاكسي في مدينة اسطنبول رغم أنهم يحبون الكلام  والحديث تماما كالمثقفين في الفضائيات العربية،والسبب في صعوبة التواصل هو أن لغتهم واحدة وهو حال أغلب سكان المدينة،لكن رغم ذلك تحدث لحظات من الحديث لا أعرف بأي لغة تتم، لكنها تحدث،وأول سؤال يطرح عليك سائق التكسي بعد معرفته من أي بلد أتيت،هل أنت مسلم؟،وحسب ما استنتجت أن الدول العربية بالنسبة لهم مجرد أنماط، وهي مصر والجزائر والسعودية وأخواتها من دول الخليج  وسوريا وفلسطين ولا يعرفون طبعا شيء عن موريتانيا وبقية الدول،وأغرب ما صادفت في المدينة هو أحد السائقين، حيث سأل صديقي من السودان عن بلده وعندما أجابه،رد عليه قائلاً:”السودان هي داعش، فهي والسعودية وقطر يمولون داعش، وكل السودان إرهابيين”،وأردف قائلاً: أنت ليست لديك مشكلة لكن السودان إرهابية وظل مصرا على ذلك.
العرب باسطنبول
حالة الشغف بالمدينة والاستمتاع بها تتوقف بشكل مربك حين تصادف بعض الحالات العربية الموجودة بها،فحين تتجول بالميادين وتنظر خلفك أو بجانبك ستجد أحد المواطنين السوريين وهو يمد لك يده طالبا صدقة أو مساعدة بعد أن بطشت بهم يد الطغيان وأجبرتهم على الهجرة بحثا عن ملجئ،حيث تخرج من أي لحظة استمتاع لترجع بسرعة البرق إلى الواقع العربي المخزي،وحين تتجول بشارع الاستقلال ستخرج في الحال من حالة النشوة حين يأتيك أحد المنسقين الإجتماعيين ويعرض عليك بلغة عربية مكسرة”البنات والسهر” ظنا منه بأنك من مواطني إحدى الدول الخليجية الذين تركوا فيما يبدو صورة نمطية سيئة عنهم، وتكون الصدمة أكبر حين تجد أن من بين أولائك المنسقين عربا فضلوا تجارة الجسد ببلاد الغربة.
لكن هناك مايدخل السرور، مثل اكتشاف أن هناك من يتحدث العربية بعد أن ضاقت بك السبل ومللت من سماع كلام غير مفهوم أو أن تصادف محلاً محترما يشرف عليه عربي.فهناك نشاط تجاري عربي ملحوظ في المدينة خاصة من طرف المواطنين السوريين.ويوجد أيضا حضورللقضية الفلسطينية، فقد لاحظت الكتابات الحائطية الداعمة لغزة.

موريتانيا:الفقراء في مواجهة العلماء!

صورة لسيدة من سكان الحي
صورة لسيدة من سكان الحي

الأحياء العشوائية والفقر صفات تلاصق العاصمة الموريتانية نواكشوط،وقصص سكانها هي الأكثر حضوراً في النقاش المجتمعي،وهذا الأمر يلاحظ جليا عند المرور بالقصر الرئاسي،الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى حائط  مبكى لفقراء نواكشوط.

حيث يشهد محيطه إعتصامات شبه دائمة من طرف سكان الأحياء العشوائية المتضررين من عدم تخطيط  وتأهيل أماكن سكنهم أو من نزع الدولة لأراضيهم أو من تحكم النافذين الذي يتسبب في تشريدهم،فقصصهم مع المعاناة كثيرة ومؤثرة،لكن أكثر قصص هؤلاء السكان جدلاً هي قصة سكان منطقة مايحشم في حي قندهار( التسمية تعني بالعربية “لا يستحي”)،حيث يشكوا سكانها من قيام الإدارة بسلبهم أرضا كانوا يستغلونها للزراعة منذ ثلاثين عاما، وقامت بمنحها لرابطة العلماء والأئمة الموريتانيين،ويقول السكان إن الدولة قامت باعطائهم حق استغلال تلك الأرض سنة 1984 ومنذ ذلك الزمن وهم يعيشون في خيرها،وتخلل تلك الفترة صراعات مع متنفذين كانوا يريدون الاستحواذ عليها،كان اَخرها سنة 2007 ،حيث انتصر السكان عبر القضاء الذي أكد أحقية السكان بالأرض.

لكن في الفترة الأخيرة جاء بعض الأئمة والعلماء وقاموا بعمليات نهب وهدم وتدمير في الأرض المذكورة وتم الأمر تحت غطاء الحرس الوطني،وحين إعترض سكان حي “ماتحشم ” على اتلاف أرضهم تم قمعهم بقسوة من طرف الحرس ،مما خلف بيهم إصابات بالغة،ويطالب السكان بالانصاف وعدم السماح للأئمة والعلماء بطردهم من أرضهم،ويعتبرون إن طردهم يعني القضاء على مستقبل 80 أسرة تعيش على خير تلك الأرض.

المختلف في القضية هو أن أحد أطرافها هو رابطة العلماء والأئمة الموريتانيين التي تمثل رجل الدين الموالي للنظام وليست مجرد قصة نافذ يريد زيادة أرباحه وأملاكه على حساب الفقراء،وهو مأزق جديد لرجل الدين في موريتانيا،حيث يظهر في صفة المغتصب المحارب من أجل هضم حقوق الفقراء،بعد أن فقد الكثير من رصيده في عمليات تملقه الشديد للنظام،فهذه الرابطة سبق و أن طالبت الجنرال ولد عبد العزيز بالترشح لمأمورية ثانية وقدم أعضائها وصلات نفاق أزعجت الكثير من النشطاء الموريتانيين على الشبكة، وعلقوا باشمئزاز حولها و هو نفس ماحصل حين أعلن وزير التوجيه الإسلامي الموريتاني ولد النيني عن لقب جديد للجنرال عزيز ،وهو رئيس الإسلام،مما أثار موجة امتعاض كبيرة من الكلمة واللقب،الرجل الذي تتهم وزارته بأنها أكثر الوزارات فساداًَ،رغم كونه عالم دين يقدم المحاضرات حول قيم الإسلام!

تحالف رجال الدين في موريتانيا مع النظام،يفقدهم الاحترام بشكل مستمر بين الأوساط الشعبية وخاصة الشبابية التي ترى أنهم أصبحوا مجرد مبررين لجرائم النظام ونهبه للثروة وإهانته للشعب وذلك مقابل الحصول على بعض فتات موائده الحرام.

المفارقة في القضية أن اسم المنطقة يحمل شحنة امتعاض من قلة الخجل و يبدو أن القدر مصر على جعل سكانها يتصارعون مع فئة في قطيعة تامة مع الخجل!،ويبقى السؤال المطروح،هل خلت نواكشوط من الأراضي حتى لا يجد النظام ما يعطيه لرابطة الأئمة إلا أرضاً يستفيد منها مجموعة من الفقراء؟

 

 

موريتانيا:قصة مدينة منكوبة

كما يقال،المصائب لا تأتي فرادى ،وهذا ماحدث في شهر رمضان لهذه السنة،فأينما وليت وجهي متفقداً وضع الإنسان في البقعة المسيطرة على أكبر اهتمامي ،أجد مصيبة وكارثة،تختلف في القوة و البشاعة لكنها تبقى مصيبة،ففي فلسطين ينكل بالشعب من قبل قوات الإحتلال وفي العراق يطارد المواطن المسيحي من طرف عصابة تعشق القتل والكره،وفي بلدي موريتانيا تحولت الأمطار من بشرى خير إلى كارثة تشرد و تجوع السكان و تدمر المنازل،فبسبب الأمطار تحطم السد الرملي في مدينة أمبود  الواقعة بولاية كوركل  جنوب البلاد،لتتسبب السيول في تدمير 750 منزل،واتلاف بعض المحاصيل الزراعية التي كان السكان قد إدخروها من حصاد العام الماضي للاستعانة بها في غذائهم،مما جعلهم عرضة للجوع.خاصة أن سكان المدينة يعتمدون بشكل أساسي على محاصيلهم الزراعية.

ظلت الكارثة محل تجاهل من قبل وسائل الإعلام المحلية والنظام الموريتاني و حتى منظمات المجتمع المدني ،إلى أن قام النشطاء والمدونون على الشبكة بحملات على مواقع التواصل الإجتماعي من أجل إنقاد المدينة وسكانها. حيث بدأت الصحافة تتحدث عنها على استحياء وقامت بعض المنظمات بالاعلان عن مبادرات للإغاثة و تقديم الاسعافات الأولية لها،مثل الأدوية والخيام والملابس والغذاء و قام النظام بتقديم بعض المساعدات لصالح مائة شخص من المتضررين،لكن المواطنين قالوا إنها لا تنفعهم في الكارثة وأنها مجرد ذر للرماد في العيون وأن توزيعها خضع للحسابات السياسية ،حيث حرم منها من يعرف بمعارضته للنظام.

بدوره،أصدر  المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة  الذي يضم أحزاب المعارضة الموريتانية وبعض النقابات ومنظمات المجتمع المدني بيانا  تضامنيا مع سكان مدينة أمبود ،طالب  فيه النظام بالتدخل لإنقاد سكان المدينة و حمله مسؤولية ما سيحل بهم.

صورة تظهر الدمار نشرها الناشط عبد القادر محمد على فيسبوك
صورة تظهر الدمار نشرها الناشط عبد القادر محمد على فيسبوك

كارثة مدينة أمبود أعمق من مجرد مساعدات إسعافية اَنية،فنسبة المنازل المبنية بالطين في المدينة تصل إلى ٩٠% وسدها مبني بالرمل (للتوضيح: إنهارت أجزاء من السد عام العام 2010 وقد رمم بعدها ) وأي هطول كبير للأمطار سيأتي على ماتبقى منها، فهي تعكس حالة الإهمال الحاصل من طرف الدولة الموريتانية لمواطنيها.

مدينة أمبود تحتاج لأن يبنى لها سد على مقاييس عصرية لا يتدمر بسبب هطول بعض مليمترات  من الأمطار و أن يُساعد سكانها في إعادة إعمار منازلهم بمواد بناء عصرية غير بدائية كما هو حال منازل المدينة الاَن ،ومن الضروري أن تضع الدولة لهم خطط تنموية تساعدهم في تطوير زراعتهم و تدعم وضعهم الإقتصادي الهش و تنتشلهم من حالة الفقر المدقع .

طبعا هذا بالإضافة إلى عملية الإسعاف السريع،لأن المستنقعات قد تجلب للمدينة كثير الأمراض والأوبئة.

لكن حسب الواقع لا  أرى أن الأمر سيتغير فيه شيء و أن النظام الموريتاني سيقوم باللازم،خاصة أن وزير الإعلام الموريتاني قد قلل من شأن الكارثة وقال إن ماحدث تم تهويله فقط!.

وحين ننظر إلى واقع بقية المدن الموريتانية و تعامل النظام مع الكوارث التي تقع فيها ،نجد أن  الأمر غير مشجع، العاصمة نواكشوط مثلا تتحول إلى مستنقع كبير عند هطول الأمطار و ذلك بسبب غياب الصرف الصحي ولم يقم النظام لحد الاَن بأي خطوات حقيقية و مؤثرة لإنشاء صرف صحي لها،ففي العام الماضي تضرر سكانها بشكل كبير من مياه الأمطار والبرك الناتجة عنها والمشهد قد يتكرر هذا العام عند هطول الأمطار في فصلها،لأنه باختصار لم يتغير أي شيء ومازالت العاصمة   تنتابها حالة من الكره الشديد تجاه المطر!.