التدوين هو التفكير من خارج الصندوق

images

بدأت قصتي  مع التدوين في سنة 2006 عبر مدونتي (يا عرب ) على موقع  مكتوب وذلك بعد إعجابي بالحراك  التدويني المصري الذي بدأت إرهاصاته في 2004 .حيث خلق المدونون المصريون حالة رائعة من الرفض والاحتجاج الالكتروني خاصة ضد مشروع التوريث .فقد كنت أراقب مايكت المدونين المصريين من أمثال  وائل عباس عبر مدونته الوعي المصري وكذلك مدونة منال وعلاء وازداد إعجاب بهم حين أصبحوا قوة مؤثرة وفرضوا على النظام المصري رفع سقف الحرية وعدم اهتمامهم لما يتعرضون له من إعتقالات ومواصلتهم لكشف فساد نظام مبارك.حينها تأكدت أن التدوين هو مفتاح التغيير في العالم العربي وأننا في موريتانيا بحاجة له أكثر من أي بقعة أخرى  فزمن الصحافة التقليدية النمطية قد ولى وقد تفاجأة في بداية بالتفاعل مع مدونتي وحجم زيارتها وإقبال الموريتانيين على هذا العالم الجديد الجميل ،واليوم سأكتب عنه في محاولة لتوضيح بعض المفاهيم وعرض مفهومي للتدوين .

المدونة والتدوينة والتغريدة:

بعد الربيع العربي أصبح التدوين أكثر شهرة كذلك المدونيين لكن مازال هناك خلط ولبس في هذا العالم  فكل من يشخبط على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك ” أصبح ينادى بالمدون حتى إن لم يكن يفقه شي في هذا العالم .لاحظت أيضا أن العاملين في قطاع الصحافة في موريتانيا لا يفرقون بين التدوينة والتغريدة ،وهنا سأشارككم بعض التعريفات للمدونة وللتدوين .وسأحاول توضيح  الفرق بين التغريدة والتدوينة. فعن ماهية المدونة كتبت شيماء إسماعيل عباس إسماعيل الباحثة في قسم المكتبات والوثائق والمعلومات، كلية الآداب – جامعة القاهرة وذالك في دراسة لها عن المدونات المصرية  نشرت في دورية
journal.cybrarians”

:
تستخدم كلمة ” مدونة ” العربية كمقابل للكلمة الإنجليزية(blog) وهي اختصار لكلمتيWeb log والتي تعني سجل الشبكة[3] “وقد اشتقت الكلمة من فعل دون، تدوين، مدونة ليصبح اسم الفاعل منها مدون”[4]، وهناك العديد من التسميات التي استخدمت كمقابل لكلمة (blog) منها: البلوجز، البلوغز، المذاكرات الإلكترونية، المدونات الشخصية، يوميات الإنترنت، السجل الشخصي، المعارضة الإلكترونية، الصحافة الإلكترونية .. وغيرها الكثير من التعريبات التي وردت في كتابات المؤلفين العرب عن المدونات الإلكترونية، إلا أن “مدونة” هو التعريب الأكثر قبولاً وانتشاراً واستخداماً لهذه الكلمة حتى الآن[5].    ذلك عن الدلالة اللغوية للكلمة فإذا ما انتقلنا إلى الدلالة الاصطلاحية – كما تعرضها قواميس المصطلحات- نجد أنمصطلح بلوج(blog)  تم إدخاله لأول مرة إلي معجم أكسفورد في طبعة مارس  2003، كما دخلت كلمة “blog” إلي قاموس ويبستر”Merriam-Webster Online Dictionary,” عام [6]2004، والذي يذكر أن المدونة (blog) “عبارة عن موقع ويب يتم تحديثه بصفة مستمرة يشتمل على مداخل أو تدوينات مؤرخة ومرتبة ترتيباً زمنياً بداية بالأحدث”[7]،ويعرف المدونون bloggers)) على أنهم “الأشخاص الذين يكتبون المدونات وبرامج التدوين”[8]، ويشير لعالم المدونات(blogosphere) بـ”المجتمع المترابط لكل من المدونات والمدونين المتاحة على الإنترنت في كل أجزاء العالم”[9

قدمت كذلك تعريفا للتدوينة :

“التدوينة” التعريب لكلمة”post”، وهي “المادة أو الإسهام الواحد في المدونة والتي يمكن أن تكون رسالة أو أخبار أو صورة أو رابط، وعادة ما تكون مادة قصيرة تتضمن الروابط الخارجية وتمكن الزوار من التعليق عليها”.

الفرق بين التغريدة والتدوينة :

كما أسلفت يوجد خلط كبير في موريتانيا بين التدوين والتغريد وهما مختلفتان فالتغريدة لا تتعدى 140التي يسمح بها موقع “تويتر” وتقتصر عادة على الانطباعات أو نقل حدث بسرعة  أو نشر روابط لأخبار عاجلة أو مقالات مهمة بحيث لاتمكن من تقديم تحليل متكامل لموضوع ما أو تقديم تحقيق مشفوع بمعلومات ومعطيات .أما التدوينة فتكون أكثر تفصيلا حيث تتطلب البحث عن المعلومة كذلك تحليلها من أجل تكوين رؤية متكاملة ويمكن القول أن التغريدة هي أداة ترويجية للتدوينة مثلا بوضع ربطها على موقع تويتر للانتشار السريع .

التدوين والتفكير من خارج الصندوق :

عادة من يلجؤون للتدوين هم أناس يفكرون من خارج الصندوق ويكرهون الإطارات التقليدية وسياسة مقص الرقيب …هم بشر يبحثون عن الحرية في الكتابة والإنتماء فالتدوين هو تغريد خارج السرب فالكل يعبر عن رأيه بالطريقة التي يشاء، من دون قواعد قمعية وذلك مايجعل أي محاولة لحصر المدونيين في قالب معين سواء كان إتحاد أو رابطة قصدها تأطيرهم تبوء بالفشل فهو عالم غير قابل للعيش في ظل الأنماط التقليدية  ،وهنا سأسرد لكم  تجربتي في محاولة إنشاء اتحاد للمدونيين الموريتانيين :

في عام 2008 لبيت دعوة لاحد المدونيين الموريتانيين البارزين لحضور جلسة تأسيسة لاتحاد المدونيين الموريتانيين …حضرت لكي أتعرف على من كنت أقرأ لهم من المدونين وربط صلات على أرض الواقع مع من يتقاسمون معي شغف التدوين وحضر هذا الأجتماع  قرابة 15 مدون  وفي نفس الجلسة انتخب مكتب تنفذي  مؤقت من دون أن نعمق نقاشاتنا واكتشفت لاحقا أن المكتب لم يكن فيه من المدونيين النشطين سوى أثنين، وبعد   الاجتماع واعلان الاتحاد لم يجتمع ذلك المكتب الذي كلف بوضع نظام داخليا وأساسيا الا مرات قليلة ومرت الأشهر وفقد الإتصال بين أعضائه وماتت الفكرة …ماتت لانها لم تكن في محالها ولم تدرس جيدا وكانت إرتجالية  وبعض من حضروها لم يكونوا على معرفة بعالم التدوين ،ذلك العالم الذي كان مجهولا في موريتانيا في  تلك الفترة .

حدث نفس الشيء  مع اتحادات التدوين في الوطن العربي التي أعلن عنها فلم يكن لها أي تأثير وهذا ماكتبه عنه  سامي بن غربية  أحد أيقونات التدوين العربي :

“محاولة التكلم باسم المدونين و السعي لإنشاء إتحادات “رسمية” أو شبه تجمعهم أو تمثلهم ليست بجديدة و قد بائت أغلبها بالفشل لتعارضها الشديد مع روح و خاصية التدوين التي ترفض العقلية المؤسساتية و البيروقراطية التي يسعى البعض، بحسن أو بسوء نية، لفرضها على المدونات العربية. و لا أذكر أنني سمعت يوما بوجود مثل هذه المبادرات خارج العالم العربي الذي يبدو و كأنه فـُطم على أنشاء الإتحادات الفاشلة على شاكلة الجامعة العربية و اتحاد المغرب العربي و غيرها من آليات “التأطير”. و كنا قد تابعنا كيف حاول المجتمع الرسمي للمدونين السعوديين ( أوكساب ) الإلتفاف على التدوين السعودي عبر أهداف تتراوح بين “نشـر وتطوير ثقافة التدوين، و رعاية شؤون المدونين” و بين ” تأطير الكتابة في المدونات ضمن إطـار الشريعة الإسلامية و العادات و التقاليد الصحيحة ” ثم كيف ووجهت هذه المبادرة بالرفض من قبل فؤاد الفرحان و زملاءه أحمد العمران و غيرهم من الذين رفضوا الإنزواء تحت لواء “المجتمع الرسمي للمدونين السعوديين”.فقد تهالت علينا أنباء إنشاء إتحاد للمدونين العرب و اتحادات فرعية في كل من المغرب و اليمن و لجان خاصة بالعضوية و التنظيم و أخرى خاصة بالإعلان و لجنة الدراسات والمشاريع و لجنة الفروع القطرية و هيئة إشراف على انتخابات الهيئة الادارية و هياكل تذكرنا بالبيرقراطية العربية العقيمة”.

خلاصة القول أن التدوين عالم حر وجذاب لكن يحرق كل من يحاول أن يجعل منه مصعدا إلى المصالح الشخصية أو البحث عن النجومية .كذلك أنه في موريتانيا مازال مجهولا لدى الكثيرين ويتعرض هذه الأيام إلى تشويه ومايحتاجه هو محاولة لتصحيح فهم الجمهور له أكثر من إتحادات لاتتناسب مع روحه   .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *