أرشيفات الوسوم: رحلات

سيبو:رحلة جد ومرح

صورة لبرلمان مدينة سيبو
صورة لبرلمان مدينة سيبو

كانت الصورة المطبوعة في مخيلتي حول الفلبين تتلخص في كونها دولة اَسوية استوائية تملك شواطئ جميلة،دولة تعاني الفقر ومخلفات سنوات عديدة من الدكتاتورية والفساد،لذلك لم أفكر في أي لحظة في زيارتها، فالأماكن الجميلة في العالم كثيرة وأقرب من الفلبين،لكن،بدأت تلك النظرة تتغير وذلك مع قراءتي لرواية( ساق البامبو) للكاتب الكويتي سعود السنعوسي وما حوته من سرد جميل لحياة الناس وللتاريخ وللفن أيضا،فقد غمرتني تفاصيل الراوية وأحداثها بحالة جميلة من الشغف بتلك البلاد وجعلتني أتوق لعيش لحظات فيها.

جعلتني الرواية أتعلق بالتعرف على بعض الأغاني والقصص التاريخية والقادة مثل “ريزال” والقائد“لابو_ لابو”، وبالطبع  التعرف على البامبو وساقه وخوسيه ميندوزا ووالدته وبنت خالته وخالته وجده(أظني قابلت الأخير).

لمحة تاريخية سريعة

للفلبين تاريخ عريق يجعلها من البلدان المتفردة في منقطتها،فقد تأثرت بعدة ثقافات وحضارات،مثل الاسلامية والمسيحية الاسبانية والأمريكية واليابانية،فالفلبين مكان لتلاقح عدة أفكار وأجناس،فقد وجد الإسلام و المسلمين حسب بعض الروايات طريقهم إلى الفلبين في 883م،وذلك عن طريق بعض الدعاة وانتشر فيما بعد عن طريق التجار،وكانت لرحلة الرحالة البرتغالي ماجلان(1519 و 1521)بالغ التأثير في تاريخ الفلبين،فقد قام الملك  الإسباني شارل الخامس، بالطلب من ماجلان بالبحث عن طريق تجاري آخر إلى آسيا عبر الغرب.لتبدأ بعد ذلك رحلة الاستعمار الإسباني للفلبين والذي دام أكثر من 300 سنة رغم مقتل الرحالة ماجلان  أثناء رحلته في مدينة ماكتان على يد الزعيم لابو لابو،وقد ترسخت في تلك الفترة الكاتلوكية بالدولة لتصبح  الفلبين وتيمور الشرقية استثناء في المنطقة،نعم الشعب في الفلبين بالاستقلال عن إسبانيا في سنة 1898وذلك بعد ثورة ضد الاحتلال الإسباني  وأعلن عن الجمهورية الفلبينية،لكن ذلك كان لفترة وجيزة،فقد رجع الشعب تحت نير استعمار جديد،وسقطت الفلبين في يد أمريكا في خضم ما يعرف بالحرب الأمريكية الاسبانية، لتستقل عام 1946،ذلك الاستعمار الذي أسس لانتشار اللغة الانجليزية في الفلبين.

نواكشوط -سيبو:

انطلقت نحو مدينة سيبو الفلبينية فجر التاسع عشر من يناير وذلك تلبية لدعوة موقع الأصوات العالمية،لحضور قمة الأصوات العالمية لإعلام المواطن للعام 2015،المتزامنة مع مرور عشر سنوات لتأسيس تلك المنصة الرائدة،حيث خضت غمار رحلة مضنية،تزيد على عشرين ساعة من التحليق في الجو،فقد كان علي أن أقضى ثلاثة ساعات بين مدينة نواكشوط والدار البيضاء وتسع ساعات بين دبي والدار البيضاء وثمان ساعات بين مانيلا ومدينة دبي وأكثر من ساعة بين مدينة مانيلا ووجهتي الأخيرة مدينة سيبو ملكة الجنوب الفلبيني.
وصلت لمطار مدينة سيبو على أنغام الموسيقي المحلية،فقد كانت إحدى الفرق المحلية تنتظر المشاركين في القمة لتقاسمهم جمال الموسيقي المحلية،فرحا وطربا بقدومهم لمدينتهم الحاضنة،وهو أمر بعث في مزيد من الشغف لخوض التجربة الفلبينية.وكان علي خوض تجربة قطع جسر مكتان لأصل للفندق فالمطار يقع في جزيرة أخرى غير سيبو.

جسر مكتان
جسر مكتان

وصلت للفندق في الساعة التاسعة،من يوم 20 يناير،وكان السرير يناديني بكل ود رغم تفكيري في الانطلاق في المدينة رغم التعب، إلا أن السرير انتصر في الأخير،فقد كان أكثر إقناعا ففي الصباح الموالي تبدأ ورش وجلسات قمة الأصوات العالمية.
نشاطات من قمة الأصوات العالمية
بدأت في 21 من يناير جلسات وورش قمة الأصوات العالمية المغلقة على مجتمع الأصوت العالمية والتي تمتد لثلاثة أيام،اختصرت تلك الجلسات قصص العالم فقد كان المشاركين فيها يعبرون عن فيسفسائية الأصوات العالمية،فقد مثل التواجد خريطة العالم،من قرغيزستان وتركمانستنا حتى مدغشقر وميانمار والمكسيس ولبنان وطبعا موريتانيا وفرنسا،وكانت فرصة للتعرف على قصص المساهمين في الأصوات العالمين ومشاريع ذلك المجتمع الثري.

حضرت عدة ورش في الأيام الثلاثة الأولى، مثل ورشة ” كيفية الكتابة في البيئات المعرضة للخطر”.والتي كانت تديرها محررة الشرق الأوسط في الأصوات العالمية،وقد كانت فرصة بالنسبة لي للتعرف على التابوهات الموجودة بعض البلدان البعيدة،ففي بنجلاديش مثلا:عرض الحياة الخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي ومقاسمة صورة شرب البيرة مثلا قد يتسبب في الضرر، وفي كلومبيا تعد الكتابة حول اتصالات الحكومة مع رجال الأعمال المخدرات أهم مصادر المشاكل وفي بلدان وسط اَسيا ليس أمامك سوى الحديث بايجابية عن جوانب الحياة والغذاء والثقافة فغير ذلك تابوهات خطيرة.وقد خرجت الورشة بمجموعة من المقترحات لحماية المدونين في البيئات الخطيرة،مثل:

استخدام  الحيل الذكية،مثل:

-الأسماء المستعارة، والتشفير، إخفاء الهوية،،استخدام الاستعارات والرموز والسخرية والفكاهة،عدم استخدام الصور الحقيقية.

– استخدام تطبيقات آمنة وموثوقة على الهواتف الذكية و استخدام المتصفحات الآمنة وأدوات الحماية مثلTOR، HTTPS

– الحذر من الحديث عن نشاطك للغرباء.

-التأكد من عدم ترك بصماتك

-ممارسة درجة معينة من الرقابة الذاتية

-استخدام الفنون للرد على الواقع والقضايا الجذرية

وتضمنت المقترحات تكتيكات أخرى، مثل:

-غسيل المعلومات وإرسالها عن طرق مختلفة غير معلنة ومن خلال اَخرين وتسريبها لوسائل الإعلام

-أهم طرق حماية النفس هي كتابة الأشياء الحقيقية فقط.

خرجت الورشة كذلك بمقترحات للدفاع عن المدونين:

-خلق حملات مكثفة ومستمرة على وسائل الإعلام من أجل رفع مستوى الوعي وايصال الصوت للمجتمع الدولى من أجل الضغط على الحكومات.

– الاتصال بالسياسيين الذين لديهم مواقف داعمة لحرية التعبير،مواصلة العمل من أجل فرض  أن تظل القضية محط اهتمام الصحافة ومدرجة ضمن أجندات الصحف.

-الاتصال بمنظمات حقوق الانسان والمحامين،وتكثيف النشاط  المتضامن حتى تأخذ القضايا الزخم المطلوب ولفت انتباه المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية.

-إطلاق الحملات لسن قوانين تكفل حرية التعبير والتوقف عن الرقابة أو تغيير القوانين التي تقمع ذلك الحق، تعزيز دور المجتمع المدني ورقابة وسائل الإعلام.

ومن بين الأمور اللطيفة التي حضرت لها،عرض حول اللغة المحلية في الفلبين،ومن بين الأمور القليلة التي علقت في ذهني،هي أن سلامات هي شكراً.

شاركت كذلك في ورشة حول الأمان الرقمى مع المدرب سمير نصار،وقد تمحورت حول برمجيةbidgin،وهي برمجية حرة مفتوحة المصدر تسمح للمستخدممن التراسل بشكل مشفر واَمن.

بعد انتهاء الأيام المغلقة من قمة الأصوات العالمية،بدأت في مبنى برلمان مدينة سيبو بالفلبين أنشطة المؤتمر المفتوح الذي حضره العديد من الشخصيات الناشطة في عالم الأنترنت،وقد تميز بوجود معرض لمنتجات وخدمات جوجل،وقد بدأت أنشطة المؤتمر بقيام المساهمين في دفاع الأصوات العالمية، بالإعلان عن بيان تضامني مع النشطاء والمدونين المتعقلين في العالم.

شهدت القمة المفتوحة مجموعة من حلقات النقاش كان بعضها متزامنا وقد تمحورت حول حقوق الانسان على الأنترنت،وطبيعة وكيفية الاحتجاجات التي حدثت في العالم خلال السنة المنصرمة، والحركات المدنية على الإنترنت حول العالم وقدمت خلالها مشاريع من بلدان عدة،ومن بين المشاريع التي لفتت انتباه الحاضرين مشروع يدعم حقوق الفتيات في قرغيزستان،وهو عبارة عن حملة تساعد النساء الشابات لتتحدث عن الحواجز والاضطهاد التي يواجهنه في حياتهن اليومية.المشروع مدعوم طرف مشروع الأصوات المهددة التابع للأصوات العالمية.وعرضت قصص لفتيات من قرغيزستان تعرضن لشتى أنواع الماَسي والكوارث،وكان العرض مؤثراً جدا.
ومن بين الحلقات النقاشية التي حضرت،كانت جلسة بعنوان كيف احتج الناس في 2014،وقد تحدثت  فيها أمير الحسيني من البحرين،ماسا من إيران،ليلي نشواتي من سوريا عن الأوضاع في بلدانهن.

وقد حضرت عرضا عن واقع الانترنت في الفلبين،فقد قدم لنا توني كروز،بعض المعلومات الرائعة عن الأنترنت في بلده،فمثلا،يلج 40 مليون فلبيني إلى الأنترنت من خلال منازلهم،وأكد لنا أن هناك نشاط تدويني مزدهر في كل محافظات الفلبين من مندناو وسيبو ومانيلا،ويتم استخدام الأنترنت في النشاط السياسي وأهم نموذج على ذلك هي الحملات لحماية الأصوات،مثل مشروع يسمى Blogwatch لاستخدام الانترنت لتوثيق وحماية الأصوات وكان ذلك في 2010وتم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الفلبين خارج النطاق السياسي،مثلا تم التفاعل مع الإعصار عبر شبكات التواصل الاجتماعي،ومن أبرز تلك الهاشتقات  #rescuep،ومن المعلومات اللطيفة التي اكتشفت هي أن الفلبين العاصمة العالمية للسيلفي،تجدون هنا مجموعة من التقارير أعدها مشاركون في قمة الأصوات العالمية.

سياحة واستكشاف

منظر من جزيرة أولونغو – Oolongo
منظر من جزيرة أولونغو – Oolongo

رغم ضيق الوقت،كانت لي عدة مصافحات مع مدينة سيبو الدافئة،وكانت أولى خرجاتي بالليل وسط ستر الظلام والهدوء،وكان انطباعي الأولى هو أنها مدينة لطيفة غير مزدحمة،وكانت وجهتي الأولى هي شارع مانغو،حيث تنتشر المطاعم وأماكن التسلية،وأولى ملاحظة بدت لى هي غياب تام للثقافة الشعبية للدولة وسيطرة الثقافة الغربية،فمثلا كل اللافتات مكتوبة بالأحرف اللاتينية(أصلا لغة التاغالو التي هي أصل اللغة الفلبينية تكتب بالأحرف اللاتينة)،ومترجمة أيضا للانجليزية،وكذلك تنوع الأشكال والسحنات في المدينة ولطف الناس،فقد ارتحت للمكان والمدينة،وقد لاحظت تشابها بين حال المدينة والناس وبعض مدن أمريكا اللاتينية(طبعا أنا معلوماتي عن أمريكا اللاتينية مستقات من الإعلام والأدب فقط)،واكتشفت أيضا أن الرجل الإفريقي مقدر جدا في الفلبين(عليكم الاتصال بي بشكل خاص لمعرفة تفاصيل ذلك)،ولاحظت كذلك أنه لا توجد مناطق خاصة بالفقراء وأخرى للأغنياء،فتجد عمارة راقية تزاحم كوخ مهترئ لمواطن فقير في خصام مع قميصه،وهو أمر استنتجت منه أن اليد الرأسمالية لم تبطش كثيراً  بالمدينة بعد، فمازال للفقراء مكان ولم يطردوا خارج المدينة. تجولت في بعض الشوارع الفرعية،وكذلك وقفت عند دوار فونتيه اوسمينيا،وقمت في اليوم الموالي بجولة سياحية في المدينة،كانت هذه المرة في وضح النهار، مررت فيها بعد محطات وقد غلب عليها التاريخ المسيحي لمدينة سيبو،وكذلك جربت ركوب الجيب الفلبيني،وهو أكثر وسائل النقل انتشارا في المدينة،لكن إن كان طولك فوق 160 ستجد صعوبة في التأقلم معه،وبعد انتهاء المؤتمر خضت عباب البحر مع مجموعة من الأصدقاء،حيث ذهبنا إلى جزيرة أولونغو – Oolongo الساحرة،وقبل وصولنا لتلك الجزيرة جربنا السباحة في المحيط الهادئ،وفي الجزيرة كان للاسترخاء مكان مهم في البرنامج رغم أن المطر لم يتوقف عن مغازلتنا منذ بداية رحلتنا إلى الجزيرة حتى وصولنا،فظلت زخات المطر تداعبنا طوال الرحلة.في نهاية التدوينة،يسعدني بعث أكثر التحايا صخبا لكل من قاسمني روح المرح وأذاب الحواجز في الحفل الختامي لقمة الأصوات العالمية.
سلامات

ملاحظات زائر لاسطنبول

صورة من مضيق البوسفور
صورة من مضيق البوسفور
هناك مدن تملك شخصية فريدة تفرض عليك احترامها بل الكتابة عن حالتها،وهناك مدن شاحبة  تتمنى لو يأتي نيزك ليخلص الكوكب من بشاعتها،وهنا سأتحدث عن الصنف الأول،من خلال مدينة إسطنبول التي زرت قبل أيام.تلك المدينة الضخمة الضاربة في جذور العراقة والتاريخ .
إسطنبول بعيوني
DSC_5536
لم أزر كل إسطنبول لأن مدة إقامتي لم تزد عن أيام ستة وحتى ولو طالت للشهر فلن أستطيع أن أزور كل أماكنها، فالمدينة أضخم مما تتصور فهي خلاصة لحضارتين وتماس لقارتين،لكني استطعت خلال فترة إقامتى أن أجد الوقت لعيش بعض اللحظات الاسطنبولية،فقد حلقت مع التاريخ من خلال جامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق،المسجد ذو الماَذن الستة والصحن الكبير الجذاب الواقع في ميدان السلطان أحمد،ذلك الميدان الرائع الزاخر بعبق الجمال والفن، حيث يضم التحفة المعمارية المسماة أيا صوفيا،التي بدأت عملية البناء فيها عام 532م بأوامر الإمبراطور جستنيان.  فكانت في الأول كاتدرائية قبل أن تحول إلى مسجد بعد دخول الإسلام إلى القسطينية عام 1453لكنها احتفظت بالرسومات الدالة على المسيحية،لتمر دورة الزمن وتحول إلى متحف في عهد أتاتورك سنة 1934، وتعبر اَية صوفيا بشكل جلي عن حالة التلاقح بين الحضارات التي مرت بمدينة اسطنبول.
وليس ببعيد عن عالم العمارة، خضت تجربة مضيق البوسفور،فقد عشت مع أصدقائي حالة رائعة من التوهج والانبساط وذلك أثناء رحلتنا في المضيق، فقد شاهدنا المدينة من زاوية أخرى أكثر جمالاً وديناميكية،وكانت عبارة عن عرض للأيقونات المعمارية العتيقة في المدينة- مثل القصور العثمانية القديمة-في ظل حالة من العوم والغوض في الجمال لم ينغصها سوى محاولة عائلة عربية فرض توجهها على الجميع و رفض بث أي نوع من الموسيقى أثناء الرحلة البحرية.
وأكثر ما أعجبنى في اسطنبول لم يكن العمارة ولا الطبيعية بل حالة الالتحام والحرية الموجودة في شارع الاستقلال وميدان تقسيم،فقد سررت بالأمواج البشرية المتدفقة في الميدان والشارع والزوار الجالسين على مطاعمه ومقاهيه، فهناك تحدث مناغات الجمال والانطلاق وكسر كل الحدود، فلا سقف للمشاعر والتعبير شفاف حد النزاهة وتصادف الفن بكل صوره الرائعة.وقد حضرت لعزف السماء لأنشودة المطر واحتضان الأرض لها بكل ود وحميمية عكس مايحدث في عاصمتنا الشاحبة التي تكره المطر.
حديث التكاسي.
من الصعوبة بمكان أن تجري حوار مفهوم مع سائقي التاكسي في مدينة اسطنبول رغم أنهم يحبون الكلام  والحديث تماما كالمثقفين في الفضائيات العربية،والسبب في صعوبة التواصل هو أن لغتهم واحدة وهو حال أغلب سكان المدينة،لكن رغم ذلك تحدث لحظات من الحديث لا أعرف بأي لغة تتم، لكنها تحدث،وأول سؤال يطرح عليك سائق التكسي بعد معرفته من أي بلد أتيت،هل أنت مسلم؟،وحسب ما استنتجت أن الدول العربية بالنسبة لهم مجرد أنماط، وهي مصر والجزائر والسعودية وأخواتها من دول الخليج  وسوريا وفلسطين ولا يعرفون طبعا شيء عن موريتانيا وبقية الدول،وأغرب ما صادفت في المدينة هو أحد السائقين، حيث سأل صديقي من السودان عن بلده وعندما أجابه،رد عليه قائلاً:”السودان هي داعش، فهي والسعودية وقطر يمولون داعش، وكل السودان إرهابيين”،وأردف قائلاً: أنت ليست لديك مشكلة لكن السودان إرهابية وظل مصرا على ذلك.
العرب باسطنبول
حالة الشغف بالمدينة والاستمتاع بها تتوقف بشكل مربك حين تصادف بعض الحالات العربية الموجودة بها،فحين تتجول بالميادين وتنظر خلفك أو بجانبك ستجد أحد المواطنين السوريين وهو يمد لك يده طالبا صدقة أو مساعدة بعد أن بطشت بهم يد الطغيان وأجبرتهم على الهجرة بحثا عن ملجئ،حيث تخرج من أي لحظة استمتاع لترجع بسرعة البرق إلى الواقع العربي المخزي،وحين تتجول بشارع الاستقلال ستخرج في الحال من حالة النشوة حين يأتيك أحد المنسقين الإجتماعيين ويعرض عليك بلغة عربية مكسرة”البنات والسهر” ظنا منه بأنك من مواطني إحدى الدول الخليجية الذين تركوا فيما يبدو صورة نمطية سيئة عنهم، وتكون الصدمة أكبر حين تجد أن من بين أولائك المنسقين عربا فضلوا تجارة الجسد ببلاد الغربة.
لكن هناك مايدخل السرور، مثل اكتشاف أن هناك من يتحدث العربية بعد أن ضاقت بك السبل ومللت من سماع كلام غير مفهوم أو أن تصادف محلاً محترما يشرف عليه عربي.فهناك نشاط تجاري عربي ملحوظ في المدينة خاصة من طرف المواطنين السوريين.ويوجد أيضا حضورللقضية الفلسطينية، فقد لاحظت الكتابات الحائطية الداعمة لغزة.

ملتقى المدونين العرب : في انتظار رحلة العودة

مع الرابير المغربي معاذ الحاقد المعتقل الاَن
مع الرابير المغربي معاذ الحاقد المعتقل الاَن

‫لملمتُ أشيائي، وأنتظر الآن الحافلة التي ستوصلني إلى مطار علياء الدولي من أجل العودة إلى نواكشوط، تلك الرحلة الطويلة المتعبة. وبدأ شريط ذكريات ملتقى المدونين العرب يسيطر على ذهني. سأحاول أن أشارككم بعضها معي الآن بدون ترتيب كما فعلت في التدوينتين السابقتين عن اليوم الأول والثاني لأن أفكاري الاَن مبعثرة بين عمان ونواكشوط، بين لهفتي للرجوع للرفاق وحزني على ترك من تقاسمت معهم أجل اللحظات.

الجلسة الختامية لمؤتمر المدونين العرب

بعد ثلاثة أيام مغلقة على المدونين كانت غزيرة بورش العمل المفيدة والنقاشات البناءة، تم اليوم اختتام ملتقى المدونين العرب بجلسة مفتوحة للصحافة للمهتمين بالمؤتمر. ونظمت خلال هذه الجلسة العديد من الحلقات النقاشية، حيث قام بعض المدونين المخضرمين بمناقشة واقع التدوين العربي وتحدياته، منهم ناصر ودادي من موريتانيا ومحمد الجوهري من مصر ومالك الخضراوي من تونس وأدارت الجلسة المدونة السورية ليلى نشواتي.

بعد ذلك نظمت مناظرة بعنوان “الرقابة لم تعد تهم؛ المراقبة على الانترنت هي المشكل الآن” وكان المدون المصري أحمد غربية مع الفكرة والناشط اليمني وليد السقاف يمثل الجناح المضاد.

ونظمت بعد ذلك جلسة تحمل عنوان “فنانو الثورة، الثقافة المضادة” وتحدث فيها الفنان اليمني أحمد عسيري والمدونة السورية ليلى نشواتي بالإضافة إلى رضا زين من المغرب، قدم خلالها كذلك مغني الراب المغرب معاذ المعروف بالحاقد أغنيته التي سجن بسببها في المغرب. لتبدأ جلسة أخرى تحت عنوان “رياح النشاط الرقمي المتحولة” أدارها الصحفي اللبناني أنطون عيسي وتحدث فيها كل من المدون اللبناني بطاح، الصحفية المستقلة عبير قبطي، Oximity.com تولين دالوجلو، المونيتور،بعد انتهاءها انتقل النقاش إلى موضوع تحت عنوان حوكمة الانترنت : هل تهم فعلا في العالم العربي ؟ تحدث فيها كل من محمد نجم، موقع سمكس وفاء بن حسين فهد بطاينة، منظمة الايكان ICANN عابد شملاوي، الجمعية الاردنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

واختتمت الجلسات مع نقاش تحت عنوان ناشط -صحفي والتي تحدث فيها كلن من أسماء الغول، المونيتور لينا عطا الله، مدى مصر لينا عجيلات من الأردن عفاف عبروقي من الأصوات العالمية.

حفلة حبر

بعد انتهاء أعمال الملتقى انتقلنا الى مقر مجموعة حبر وكان الفلكلور الأردني ينتظر قدومنا ليقدم نفسه ملهما وباعثا للحياة، فرقصة الدبكة أخذتنا بألقها وألهمتنا وفرضت على الجميع التفاعل مع حركاتها وبعد ذلك قدم لنا مجموعة من المبدعين الأردنين عرضا كوميديا ساخر وساحر تحت عنوان الباشا،لنحلق بعد ذلك مع مغني الراب الأردني طارق أبو كويك المعروف بالفرعي …فقد سافرت بنا كلمات أغانيه إلى كل أقطار عالمنا العربي وشخصت لنا سبب خيبتنا أكدت وجهة نظرنا في أنظمتنا فكان صوت المطحونين والغاضبين والثائر المخلص وانتهت الحفلة بلحظات الوداع وعناق الفراق الذي أكره.

عرض عن موريتانيا

قمت بتقديم عرض عن الوضع في موريتانيا وذلك أثناء حلقة نقاشية أدرتها مع المدون والناشط الحقوقي البحريني محمد المسقطى وكانت تحت عنوان “دول خارج نطاق التغطية (موريتانيا والبحرين كنموذج ) وكان ذلك باليوم الثالث من أيام ملتقى المدونين العرب.حيث اكتشفت كالعادة أن العرب ليس لديهم إي المام بمايحدث في موريتانيا،وخلال هذه الحلقة النقاشية خرجنا بمقترح وهو أن نحاول خلق تشبيك بين المدونين العرب من أجل التعاضد في القضايا وكذلك التدوين شهريا عن إحدى القضايا الملحة في أحد البلدان العربية.

لامكان في عمان للمدون السوري جواد شربجي

للأسف لكل الأمور وجهان، واحد يبعث على الأمل، وآخر يحبط ويزعج لحد الغليان. وهذا ماحدث في ملتقى المدونين العرب في عمان. فقصة منع المدون والناشط السوري جواد شربجي من دخول عمان هي الوجه التعيس للملتقى…فقد أحزتني الحروف التي أرسل لنا عن منعه حيث قال:

“مرحبًا يا أصدقاء

أنا الآن في بيروت عائدًا، بعد تجربة مميزة قضيتها لمدة 7 ساعات في معتقل الملكة عليا الدولي، لم أر خلالها سوى الصحراء وبعض رجال الأمن من أصحاب النفسيات المريضة.. سعدت حقًا بتلك التجربة، تعرفت خلالها على العديد من السوريين القادمين من بلاد مختلفة، والذين ينتظرون نداءً يخرجهم من تلك الغرفة، ذكرتني تلك الساعات بأيام البهدلة في الخدمة العسكرية 🙂

الآن أنا حزين جدًا إذ لم استطع الاجتماع بكم، لقد كنت أتابع معظم الرسائل والنقاشات التحضيرية، وكنت متحمسًا للجلوس إليكم وتبادل الحديث والخبرات.. لكن الله أراد غير ذلك..”

إلى اللقاء يا عمان… سأشتاق لكم أيها المدونون الرائعون

ذكريات إسكندرانية

لحظة فرح إسكندرني
لحظة فرح إسكندرني

كنت قد ختمت تدوينتي الأولى عن مشاركتي في منتدى الإسكندرية  بالقول أني سأتحدث في تدوينة أخرى عن المدينة والشعب و الاحتقان السياسي والشباب و الكتابات الحائطية المناهضة للحكم العسكري،وها أنا أفعل.
انطباعات حول المدينة والمواطنين
لقد كان للأغاني و الأشعار دور مهم في ترسيخ روح الإسكندرية وجمالها وتفردها في الذائقة الجمالية العربية، مثل أغاني شط اسكندرية لفيروز و بين شطين ومية لمحمد قنديل و (يا اسكندرية) التي كتبها أحمد فؤاد نجم وغناها الشيخ إمام.
ورسخت الأفلام السينمائية والأعمال الأدبية تلك الصورة أيضا،ولم يتغير الأمر بالنسبة لي بعد قدومى إلى المدينة والتحامى ببعض ملامحها،بل زاد الاعجاب،فبحرها يشفى العليل بالفعل ويبعث على العشق، وتنسيق المبانى لا يخلوا كذلك من قدر من الابداع،الفن يشع من كل أركان المدينة ولعل أكثر الأشياء التي تركت في نفسي أثراً طيبا هي تكريم المبدعين،فقد حظيت بزيارة مسرح إبن المدينة ومبدعها الأول سيد درويش والذي كان قيد الترميم رغم حالة الاحتقان والاضطراب التي تعيشها مصر حاليا، كما أسعدنى  وجود مسرح يحمل إسم بيرم التونسي.
ومن سوء حظى أني لم أجد الوقت الكافي لكي أغوص في دنيا مكتبة الاسكندرية العملاقة و أهم معالم المدينة الجذابة،فقد اكتفيت بنظرات خاطفة من بعيد.
هذا عن المدينة ،أما الشعب فهو قصة أخرى أكثر روعة وجمالاً ،فقد تأكدت من خلال احتكاكي بالمواطنين وخاصة الشباب من سلامة تصوري 
الذي  طالما سيطر على ذهنى،وهو أن النخب التي تغزوا المشهد المصري و تسيطر عليه وتبث أمراض العنصرية والعنجهية الغبية و النفاق و كل مظاهر التخلف،مجرد نخب معزولة عن الشعب ولا تمثل سوى أمراضها النفسية،فالشعب في مصر مضياف يحب الاَخر و يجله وبعيد كل البعد عن العنصرية،محب للسخرية والضحك رغم الماَسي والكوارث وضربات الزمن.
شعب متسامح بشكل فطرى ومتعايش بكل تناقضاته،وهذا ما اكتشفته عند سيري على كورنيش الاسكندرية وزيارتي الليلية لمنطقة القلعة،فعدد العشاق واختلافهم يبعث على الراحة،فالمنقبات وأصحاب القمصان  يتبادلون الورود ونظرات الحب بجانب من توصف ب”السفور”والشاب حليق اللحية من دون أي ازعاج ولا مشاكل،إذ كل عاشق هنا  مشغول بعشقه ومحبوبه.
و قد سعدت بصداقات جديدة من شباب الاسكندرية وكل محافظات مصر،شباب يشبهونني في رفضى للظلم والخنوع والعنصرية وتفاهة المركزية والتقوقع التي تنخر عقول بعض النخب المصرية المريضة.فقد كانوا بمثابة الشموع التي تحترق من أجل ضيوف المدينة، يضحون بوقتهم وطاقتهم حتى يكون الجميع في حالة من السعادة الطافحة.
الجدران ترفض العسكر وحكمهم والشباب أيضا!
أثناء تجوالي في المدنية لاحظت انتشار الكتابات الحائطية المناهضة لحكم العسكر وللسيسي،و كان هاشتاغ#انتخبوا_العرص أكثرها انتشاراً،فحتى محكمة الاسكندرية و كوبري ستانلي الرائع لم يسلما منها،وقد كان لي وقفة مع الهاشتاق وأخذ صورة معه أثناء تجوالي على الكوبري وتجربة الترمس الذي يباع عليه،في المقابل لاحظت لافتات عملاقة داعمة للسيسي ،تحمل عبارات من قبيل” كمل جميلك “،وبعض المبادرات الداعمة له ذكرتنى بمبادراتنا المتملقة والمنافقة.
حالة الرفض الموجودة على الجدارن لها صدى كذلك بين الشباب،فحواراتي مع من قابلت أكدت لي أن صورة الجنرال المخلص التي يرسمها الاعلام المصري الموجه لاتعدو كونها حالة من البروباغاندا الرخيصة، فأغلب من تكلمت معهم يرفضون حكم العسكر والحالة الواقعة والقمع والفاشية الجديدة ولم أجد أي احتفاء بالسيسي ولا العسكر،بل إن الكثير  يرى أن ثورته تمت سرقتها و يشعر بالاحباط ولا يخلو ذهنه من ذكرياته المشتركة مع أحد رفاقه المسجونين الاَن،ويتنازعهم هاجس إكمال المشوار أو التعامل مع القضية كأنها عرض مسرحي هزلي.

ومن ضمن القصص التي أثرت في أثناء تواجدي في الاسكندرية هي رؤيتي لميدان شهداء ثورة الخامس والعشرين يناير في منطقة ميامي وقد تحول إلى مكب للنفايات( أخبرنى صديقي أنه تم تنظيفه بعد مغادرتى ليصبح موقفاً للسيارات)  وكذلك سماعي لحظر حركة السادس من إبريل،وهو ما يؤكد أن الثورة في مصر تتعرض يوميا للغدر.
لكني غادرت الإسكندرية ومصر و أنا متأكد أن الوضع لا يمكن أن يبقى على ماهو عليه،فالشعب الذي ضحى مثل تضحيات المصريين لا يستحق هكذا نهاية،والغضب المصري،سيتحول إلى ثورة جديدة تؤسس لغد أفضل،ذلك الغضب الذي لمسته من قصة شيخ  توجه إلي ورفاقي على احد مقاهي الإسكندرية ليعرض بضاعته علينا، و ليسأل أحدنا إن كان متزوجا، فلما رد عليه بالنفي،قال الرجل أحسن ففي أيامنا البغيضة هذه التي لا أفق فيها الزواج “وكسة “.